نُصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم المظلومين من أصحابه
بقلم: يوجَل مان
كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى كل الموجودات على أنها تجليات لأسماء الله الحسنى، وصنعة بديعة للخالق العظيم سبحانه وتعالى. فكان يكنّ دائمًا الاحترام لكل المخلوقات، ويبذل قصارى جهده من أجل سعادة الجميع واستقرارهم، ويضع الحلول للمشكلات دون تفريق أو تمييز. كان يحاول بناء حياة نموذجية، وفلسفة أخلاقية وحقوقية، ومنهج حركي، ووجهة نظر حكيمة؛ من أجل العيش في مناخ عادل مترابط ينعم بالأمن والسلام. فكان بذلك يحدد موقع الجميع بدءًا من الإنسان في الترتيب التسلسلي للموجودات، ومهامهم، والحدود التي تفصل بينهم بشكل واضح وصريح. وبذلك لا يتجاوز أحد حدود أحد، ولا يطغى عليه، ولا يشكّل تهديدًا على حياته، ويستفيد كل منهم مما ينتجه الآخر بشكل عادل، مع دوام بقائهم في جو مفعم بالأمن والثقة والاطمئنان.
وعلى الرغم من حساسيته هذه وفعاليته فإن معظم مخاطبيه كانوا يناهضونه بسبب الشفرات الثقافية التي توارثوها عن أجدادهم والتي لا تمتّ للعقل والمنطق والمحاكمة بصلة؛ والخصال السيئة المنتشرة بينهم مثل الطمع والحسد والجشع والحقد والكبر؛ والمشكلات الاجتماعية مثل الجهل والفقر والفرقة والأنانية؛ والإرث التاريخي مثل الثأر والعرقية والعداوة والاستعمار؛ والأمراض الإدارية من هضم الحق والحقوق، والغطرسة، والتفرقة، والشهرة، والثروة، والشهوة. فإن هؤلاء الذين يمتلكون القوة يرون الحياة جبهة صراع وقتال؛ فلا يتوانون عن الإساءة والظلم والاعتداء على الضعفاء والعزَّل -الموالي، الفقراء، أبناء السبيل، النساء…-، والمسلمين الضعفاء، وباقي المخلوقات؛ حتى إنهم يرون الظلم ضرورة حتمية من ضروريات الحياة! في مقابل هذا نجده صلى الله عليه وسلم لا يصمت ألبتة أمام الإخلال بالحقوق، والمنكرات، والظلم والجرائم؛ فينطلق على الفور من أجل تأسيس نظام عادل يحمي الجوانب الإنسانية والأخلاقية والحقوقية والإسلامية، ويضم ويشمل الجميع وكل شيء.
وفي هذا الصدد يبذل قصارى جهده ويطرق كل السبل دون خوف أو ملل من أجل محاسبة الطغاة على ظلمهم وبغيهم وخيانتهم وجرائمهم وما يرتكبونه في حق أصحابه، ومن أجل القضاء على الظلم، والتنبيه على الخطإ، والتوعية بالجهالة، وحل المشكلات. فبجانب حساسيته صلى الله عليه وسلم التي ذكرناها آنفًا، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين يحمل عاطفةً عامةً نحو الإنسانية جمعاء، ولأصحابه رفقاء دربه المرتبطين به خاصة: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (سورة التَّوْبَةِ: 9/128). وانطلاقًا من هذا المعنى نجده صلى الله عليه وسلم يواجه العديد من الوقائع التي حدثت في مكَّة أو المدينة، وكان في جميعها يعمل على نصرة أصحابه بشكل ما. وهذه بعض الأمثلة:
وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوج مشرك بأن يرحم زوجته المسلمة وألا يظلمها
كان في المدينة كما كان الحال في مكة أناسٌ لا يتحملون الاختيارات التي يقوم بها الناس بحرِّ إرادتهم. فلا يستسيغون إسلام الناس واختيارهم دين التوحيد، فيسومونهم أشد ألوان العذاب حتى وإن كانوا أقرب الناس إليهم من أجل إعادتهم إلى الكفر والشرك. وكان من بين هؤلاء قيس بن الخطيم، كانت زوجته حواء بنت يزيد من أوائل المسلمات في المدينة المنورة. وقد أسلمت رغم ما ينتظرها من مخاطر محتملة، وبدأت تعيش حياة صادقة مخلصة. بيد أن زوجها قيس بن الخطيم لم يرض بهذا؛ وبدأ في تعذيبها وظلمها. ولقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكَّة ما ألمَّ بحواء وما تتعرض له من أذًى، فهو كما بيَّن المولى سبحانه وتعالى يتألم لآلام المؤمنين، ويخفق قلبه حزنًا عليهم، ويضع لهم أجنحة الرحمة والشفقة ليواسيهم ويخفف عنهم ما هم فيه.
فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدوم قيس بن الخطيم إلى سوق ذي المجاز بمكَّة، أتاه صلى الله عليه وسلم، فلما وجده حدّثه عن الإسلام أولًا، وحرِصَ عليه وجعل يَرفقُ به ويكنيه، فدعاه إلى الإسلام قائلًا له: “يا أبا يزيد أدعوك إلى الله”. وعلى الرغم من أنه أدرك أنه صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الحق فإنه لم يتخل عن عناده، فقال: “ما أحسن ما تدعو إليه! وإن الذي تدعو إليه لحسن ولكن الحرب شغلتني عن هذا الحديث”، ولم يقبل الإسلام. فحدّثه صلى الله عليه وسلم عن السبب الرئيس للمقابلة، فقال: “يا أبا يزيد إن صاحبتك حواء قد بلغني أنك تسيء صحبتها مذ فارقت دينك فاتق الله واحفظني فيها ولا تعرض لها”. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب ويرجو من مشرك أن يشفق على زوجته المسلمة وأن يرحمها. فقال قيس: “نعم وكرامة، أفعل ما أحببت لا أعرض لها إلا بخير”. وكان قيس يسيء إليها قبل ذلك كل الإساءة.
ثم قدم قيس المدينة فقال لزوجته: “يا حواء لقيت صاحبك محمدًا فسألني أن أحفظك فيه وأنا والله واف له بما أعطيته فعليك بشأنك، فوالله لا ينالك مني أذًى أبدًا”، وبالفعل لم تنل منه حواء أي إساءة بعد يومه هذا. فأظهرت حواء رضي الله عنها ما كانت تخفي من الإسلام فلا يعرض لها قيس. فيكلم المشركون قيسًا في ذلك. ويقولون له: “يا أبا يزيد امرأتك تتبع دين محمد”. فيقول قيس: “قد جعلت لمحمد أن لا أسوؤها وأحفظه فيها”1.
تخليص المعذبين وإنقاذهم
لم يتقبّل أهلُ مكَّة الإسلامَ والمسلمين. فكانوا يعتدون على القرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالقول والفعل من أجل استئصال شأفتهم. وكانوا يحتقرونهم، ويحاولون إعادتهم إلى الكفر والشرك ثانية بالتعذيب والتنكيل، حتى إنهم كانوا يقتلون من ثبت على دينه. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بمواساة وتسكين آلام من يتجرعون هذا العذاب، ويدعوهم إلى التحلي بالصبر، ويوصيهم بالهجرة إلى مواطن يمكنهم فيها التمتع بحقوقهم الأساسية وحرياتهم في طمأنينة وأمان. وفي المقابل كان أهل مكة لا يتراجعون عن ظلمهم، حتى إنهم كانوا يزجون بضعفاء المسلمين في السجن. أجل، لقد كانت هذه الزمرة التي أطلق عليهم القرآن الكريم اسم “المستضعفين” يتم تصفيدهم في الحديد وإلقائهم في الحبس، وتعريضهم لشتى أنواع الظلم والعدوان. ومن ثم لم يستطيعوا الهجرة إلى أي مكان.
وكان من بينهم من ينتسبون إلى عائلات كبيرة أمثال سلمة بن هشام الذي عاد من الحبشة بناءً على خبر لا أساس له من الصحة 2، وعياش بن أبي ربيعة الذي خدعه أبو جهل بذريعة أمه بعد أن هاجر إلى المدينة3، والوليد بن الوليد الذي أسلم بعد أسره في بدر، ولما عاد إلى مكة زُجّ به في السجن وقُيّد بالأصفاد4. وكانوا يسومون هؤلاء الصحابة الثلاثة بوجه خاص أشد العذاب والتنكيل لبث الرهبة والرعب في نفوس غيرهم من المؤمنين. فعلى سبيل المثال كان أبو جهل يضرب سيدنا عياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام كل يوم بالسوط ويتركهم جياعًا وظمآنين ليعودا إلى الكفر ثانية 5. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يتفطر قلبه حزنًا إذا نالت شوكة من أصحابه، يشعر بالحزن والأسى لما يلاقيه هؤلاء المستضعفون من الأذى والتعذيب.
وكان القرآن الكريم يحض المسلمين على قتال المشركين عند الضرورة لتحرير هؤلاء المستضعفين، يقول تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ (سورة النِّسَاءِ: 4/75). إلا أن المسلمين لم يكونوا يمتلكون القوة والإمكانات اللازمة لا في الفترة المكيَّة ولا السنوات الأولى من الهجرة من أجل نصرة هؤلاء المستضعفين وتحريرهم.
ذات يومٍ رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من ركوع الركعة الأخيرة من صلاة الفجر، ودعا الله قائلًا: “اللَّهُمَّ أنْجِ عَيَّاشَ بن أبي ربيعةَ، اللَّهُمَّ أنْجِ سَلَمَة بن هشامٍ، اللَّهُمَّ أنْجِ الولِيد بن الوليد، اللَّهُمَّ أنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المؤمنين”، واستمر على هذا الدعاء ثلاث سنوات متتالية دون انقطاع 6. وبعد مدة استطاع الوليد بن الوليد الفرار والنجاة بنفسه مهاجرًا إلى المدينة، ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يلاقي سيدنا عياش وسلمة رضي الله عنهما من عذاب أليم7.
كانت قد تغيرت أشياء كثيرة في المدينة آنذاك. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا الوليد إلى مكة خفية في محاولةٍ لإنقاذ هؤلاء المستضعفين من الحبس والظلم. وأخبره بالتفصيل بخطة التحرك، وممن سيتلقى المساعدة في مكة. فوصل مكة ومعه حدَّاد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوصاه به، فقام بتحرير هؤلاء المحبوسين لسنوات طوال، وعاد بهم إلى المدينة. فلما اكتشف أهل مكة الأمر في الصباح، خرجوا يبحثون عنهم حتى بلغوا عُسفان، ولكنهم فقدوا أثرهم وعادوا إلى مكة خائبين. إذ سلك هؤلاء المستضعفون عند فرارهم من مكَّة إلى المدينة نفس الطريق الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الهجرة مشيًا على الأقدام حتى لا يقعوا في يد المشركين. استغرق الطريق بضعة أيام مشيًا دون توقف، فلما وصلوا المدينة كانت قدما سيدنا الوليد تدميان8…
محاسبة الخائنين
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدخل دائمًا من أجل نصرة المظلومين من أصحابه وحمايتهم وإنقاذهم، وفي الوقت ذاته يبذل أقصى ما في وسعه من أجل محاسبة الظالمين على ما انتهكوه في حق المسلمين، وما دبروه لهم من مكائد، وما أعملوه فيهم من آلة القتل والتشريد، وما نهبوه من أموالهم وثرواتهم، وقطعوا عليهم الطريق وغدروا بهم. وكان قد قدِم على المدينة وفدان بعد أربعة أشهر من أحُد، وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث معهم معلمين ومربين من أصحابه ليفقهوا قومهم في الدين ويقرئوهم القرآن ويعلموهم شرائع الإسلام. فأوجس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيفة من هذا الأمر، فقد يكون مكيدة للإيقاع بهؤلاء المسلمين، فاتخذ الاحتياطات والتدابير اللازمة من أجل تأمين هؤلاء الصحابة. فأرسل عشرة من الصحابة مع الوفد الأول (وفد عضل والقارة)، وسبعين صحابيًّا مع الوفد الآخر.
فلما كانوا عند الرجيع، أوقعت قبيلة لحيان الصحابة العشرة في فخ وقتلوا منهم ثمانية، وباعوا اثنين إلى أهل مكَّة. أما المجموعة الأخرى فقد نصبت لهم رعل وذكوان وعصية فخًّا، فقتلوا 69 صحابيًّا عند بئر معونة. فلم يحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أي حادثة مرت من قبل كما حزن على هؤلاء الصحابة. فظل صلى الله عليه وسلم أربعين صباحًا يدعو على هؤلاء الظالمين دون انقطاع. لقد كان يحب أصحابه كثيرًا، فلكل واحد منهم مقام معلوم عنده. وقد خاض في بدر وأحُد معركة حياة أو موت من أجل حمايتهم. ولم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء على هذه القبائل، بل نظم الغزوات والسرايا لمحاسبتهم على غدرهم وخيانتهم9. فكان يخرج على رأس أصحابه من أجل حماية الحقوق الأساسية للمؤمنين وحرياتهم، ومحاسبة الظالمين والمعتدين. ومن بين الأمثلة التي لا حصر لها على ذلك هذه الحادثة التي كانت سببًا في غزوة مؤتة.
جيش من أجل رجل واحد!
نال رسول الله صلى الله عليه وسلم راحة جزئية في المنطقة بعقده صلح الحديبية مع أهل مكَّة، فكان يقوم من ناحية بحل المشكلات التي أثارتها القبائل التي طبعت عداوتهم للمسلمين على عقلهم ومنطقهم، ومن ناحية أخرى يرسل الرسائل إلى رؤساء وملوك الأرض يدعوهم فيها إلى الإسلام من أجل نشر رسالة القرآن العالمية. وفي هذا الصدد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي، وبعثه بكتابه إلى قيصر الروم بالشام. تحرك الحارث لتنفيذ مهمته، فقُطع طريقه في مؤتة، وجيء به إلى شرحبيل بن عمرو الغساني وكان من ولاة الشام من قِبل الروم، وعلى الرغم من أن الحارث قد أبلغه بأنه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن شرحبيل أمر بقتله10.
فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نُقل إليه خبر استشهاده، وحزن له حزنًا شديدًا. فهذا أمر لا يقبله أحد. إذ كان مبدأ حصانة السفراء والرسل مفعَّلًا حينها. فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وشاركهم حزنه وأسفه، وأخبرهم بموقع الحادثة والمنفِّذ لها؛ وكلفهم بالتحرك على الفور من أجل محاسبة هؤلاء المجرمين على جرمهم، والاحتشاد في الجرف. فاجتمع جيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل مدججين بالسلاح. فأقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجرف وأمّر عليهم سيدنا زيد بن حارثة، وتحرك الجيش إلى مؤتة من أجل معاقبة المجرمين لمقتل رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأكيد أن المسلمين قوة لا يستهان بها.
خلاصة القول
يُفهم من هذه الأمثلة المقتطفة من بين مئات الأمثلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إنسانًا شديد الحساسية. لا يلوذ بالصمت أمام الظلم والقهر، بل كان يعيش حالة من الحزن والأسى على ما يلاقيه أصحابه من أذى وعدوان، ويستنفر الحشود من أجل أن يضمد جراحهم وآلامهم، ويبذل كل ما في وسعه من أجل محاسبة الظالمين وحماية حقوق المسلمين. فكان من ناحية يتضرع إلى الله بالدعاء، وكان من ناحية أخرى يتحرك بنفسه، وفي بعض الأحيان يرسل أصحابه لإنقاذ المستضعفين من المسلمين ونصرتهم على من ظلمهم ورفع راية الحق والحقيقة.
وهو عندما يفعل هذا كان يلفت الانتباه إلى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (سورة الْمَائِدَةِ: 5/8)؛ وكان يراعي حقوق ومبادئ القتال، ولا يحيد عن العدل قيد أنملة، وكان يحافظ على حقوق أصحابه دون أن يظلم أحدًا أو يعتدي عليه.
وقد كان تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا سببًا في تعزيز ثقة الصحابة واعتمادهم عليه بصفته القائد لهم؛ وكانوا هم في المقابل يعرضون بكل رِضًى أرواحهم للتضحية من أجل حمايته صلى الله عليه وسلم، ونصرة أصحابهم، وإنقاذهم، ومحاسبة المعتدين، واسترداد حقوق المستضعفين. فإذا ما انقطعت بهم السبل لم يجدوا أنفسهم فرادى بلا راع أو نصير، بل ينتظرون -في صبر- يد العون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أصحابهم. فكان صلى الله عليه وسلم يلقي دائمًا بذور الرحمة والعدل والثقة في قلوب من حوله، ويجني من وراء ذلك الثقة والحب والإخلاص والخدمة والتضحية.
Footnotes
- كانت السيدة حواء والدة الصحابي الجليل ثابت بن قيس من بين النساء اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة. (ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10/251، 252)
- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/103.
- بن سعد، الطبقات الكبرى، 4/102
- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/102، 103
- صحيح البخاري، الأذان 128، الجهاد 98، الدعوات 58؛ صحيح مسلم، المساجد 294-295. ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/103
- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/105.
- لمزيد من التفاصيل عن عملية الإنقاذ انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/105.
- ابن هشام، السية النبوية، 485.
- الواقدي، المغازي، 2/205.
- الواقدي، المغازي، 2/206.