بقلم الدكتور/ سليم عبد الله
من المبادئ الأساسية للتربية النبوية الشريفة هو مبدأ “بشروا ولا تنفِّروا”. إذ ينبغي على من يتولون مسؤولية تنشئة الناس أو إدارة وإصلاح الأفراد والمجتمعات، إذا ما حاولوا تبليغ الحق والحقيقة إلى القلوب المتعطشة، أن يستخدموا الأساليب والمناهج التي تجعل مخاطبيهم يتابعون المسألة بحب واهتمام. لهذا يجب على المربين والمعلمين أن يحبوا التعليم بقدر حبهم للعلم، وأن يحبوا الطلاب بقدر حبهم للتعليم، ومن ثم يستطيعون بذلك أن ينشئوا أجيالا تحب العلم وتحب العمل به. فالحب هو أساس التربية والتعليم، وروحهما. وتقع مسؤولية نقل هذا الحب وتثبيت أركانه في المؤسسات التعليمية على المعلمين والمرشدين المثاليين. ولذا فإنه من الواجب عليهم أن يكونوا فدائيّ المحبة، وأن يستخدموا الأساليب والمناهج والطرق التي تمزج الحب في التعليم، وأن يبتعدوا عن المواقف والسلوكيات التي من شأنها أن تنفِّر الناس منهم أو من القيم التي يبلِّغونها.
الترغيب… يبشِّر!
إن استخدام أسلوبٍ مبشرٍ عند تبليغ وتعريف الحق والحقيقة يرغِّب المخاطب في استقبال المعلومة ويحببه في التربية والتعليم. فإنه كما هو حال الأنبياء جميعًا1 فإن رسولنا صلى الله عليه وسلم أيضًا قد أًرسل “بشيرًا، ومبشرًا”2. والبشير هو من يدعو ويبلِّغ برحمة ووجه طلق، ويرشد إلى الطريق المستقيم بزفّ البشريات والأخبار السارة، ويوجه إلى الخير والمعروف بالتحبيب والترغيب فيه، ويدل الناس على الغايات السامية بوعدهم بالمثوبة والمكافأة. ويقابل هذا لفظ “النذير”، والنبي صلى الله عليه وسلم هو “المنذر الرحيم” الذي يخبر عن عواقب الأخطاء والذنوب، ويلفت الانتباه إلى خطورة العيش بعيدًا عن عبادة الله وطاعته، فهو يحذر الناس من مغبَّة الوقوع في المهالك في الدنيا والآخرة.
ومن هذا المنطلق فإن “البشير” هو من يشوِّق، ويشجع، ويحبب، ويرغّب في الأمر. بينما “النذير” هو من ينبه، ويدعو إلى أخذ الحيطة بقصد حماية الناس وإبعادهم عن المساوئ والشرور؛ إلا أنه ينبغي أن يتحلى بالشفقة والرحمة بينما يفعل ذلك حتى لا يتسبب في البغض والنفور. فإن صفة “بشير” للنبي صلى الله عليه وسلم تعبر بوضوح كبير عن مبدأ “بشروا”، أما صفة “نذير” فتعبر عن مبدأ “لا تنفِّروا”. فبينما يحثّ صلى الله عليه وسلم الناس إلى البِر والخير، كان يفعل ذلك بأسلوب يبعث على الحب والبهجة، وبينما يحذر الناس من عواقب الشرور فكان يفعل ذلك أيضًا بأسلوب لا يُقصيهم وينفِّرهم، وقد ترك هذا المبدأ سنَّة متوارثة لأمته من بعده.
التبسّم والوجه الطلق… يبشِّر!
تُعد طلاقة الوجه وسيلة مهمة لتحقيق مبدأ “بشروا ولا تنفِّروا” في التبليغ والتربية والتعليم. فالوجه الطلق يحبب المخاطب في كلام المتحدث كما يحببه إلى نفسه تمامًا. على النقيض من ذلك الوجوه المتجهمة، فينفر منها الجميع ويبتعدون عنها، ويكرهون الاستماع إليها أو تعلم أي شيء منها. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسانًا طلق المحيا دائمًا، فيقول لأصحابه: “تبسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ صدقةٌ“3 موصيًا إياهم بطلاقة الوجه دائمًا، ومؤكدًا على أنها من العبادات4. ويقول صلى الله عليه وسلم: “لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ“5. فيلفت صلى الله عليه وسلم الانتباه إلى أهمية “بسط الوجه” في العلاقات، وقد استأمن أمته على عدم التخلي عن هذه السنَّة النبوية التي لا غنى عنها. ووفقًا لهذا البيان النبوي الشريف، فإن هذا الفعل في الحقيقة هو أيسر إكرام ولطف يقدمه المرء للغير، وأحد طرق دخول القلب، يقول صلى الله عليه وسلم: “إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ“6.
لذلك ينبغي على كل معلم ومربٍّ ومرشد أن يكون طلق الوجه على الدوام حتى يحبب مخاطبيه فيه شخصيًا وفي الحقائق التي يبلغها أو يشرحها. ولا شك في أنه من الممكن أن يُصاب الإنسان بالتعب أو تنزل به نازلة وبلاء، إلا أنه رغم كل شيء لا يُشعِر مخاطبه بأي من ذلك، فيقابلهم متبسمًا، ويخاطبهم بلسان عذب. فهذا التصرف يقرِّب مخاطبه إليه نفسه ومن الحق والحقيقة التي يبلغها، مما يعزز روابط الألفة والمودة بينهم جميعًا.
القول اللين، واللسان العذب… يبشر!
من الآليات الأساسية التي تحبب المخاطبين في التربية والتعليم وتيسر عمل المعلمين والمرشدين بشكل كبير، القول اللين واللسان العذب. على العكس من ذلك الإنسان حاد الطباع الذي يتعامل بأسلوب فظ غليظ، فينزعج منه مخاطبه للغاية ويبتعد عنه وعن التعليم وينفر منه. من هذه الجهة، فإن جميع الأنبياء الذين أرسلوا كمرشدين للبشرية جمعاء قاموا بتبليغ الحق والحقيقة بـ”القول اللين” أي بأسلوب لين، ودعو الناس وأنذروهم بأسلوب لطيف.
وفي هذا الصدد يخبر القرآن الكريم عن إرسال سيدنا موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون، يقول تعالى: “﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾7. فالقول ليس مجرد كلمات وصوت يخرج من الفم. ففي الأمثال الشعبية “الإنسان يُعرف بأسلوبه”. فطريقة إلقاء الخطاب وأسلوبه، وليِنِه أو غلظته، والكلمات المنتقاة، ونبرة الصوت، والإيماءات، والحركات تبرز جميعها صدق المتكلم وخُلقه وشخصيته. لهذا فإن الحديث الذي يُجرى بأسلوب لين وقول عذب يكون له تأثير أكبر على المخاطبين.
ويشير نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحقيقة بقوله: “إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ“8. وبناء عليه يضع صلى الله عليه وسلم قاعدة عامة بقوله: “مَنْ حُرِمَ الرِّفْقَ، حُرِمَ الْخَيْرَ أَوْ مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ“9، ليبيّن أنه لن يتسنى للمعلمين والمرشدين الذين لم يتبنوا هذا المنهج في التبليغ والتربية والتعليم أن ينجحوا في هذا الأمر.
وقد طبَّق النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه عمليًّا هذه المعايير التي بيّنها، فكان يقترب دائمًا من مخاطبيه بالحكمة والموعظة الحسنة، ويتعامل حتى مع من يخطئون في حقه بالعفو والصفح، وينأى بنفسه عن أي فظاظة وغلظة10 ، وذلك امتثالًا للأمر الإلهي: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...﴾11 ، فلا يتخلى أبدًا عن هذه المبادئ ولا عن عدله وخلقه وموقفه في أي وقت كان حتى مع من يجادلونه ويعارضونه.
لا تُنفِّروا!
ثمة معيار آخر في الحديث الشريف وثيق الصلة بمبدأ “بشروا”، ألا هو “ولا تنفِّروا”. يلفت النبي صلى الله عليه وسلم الانتباه بهذا المعيار إلى ضرورة أن يكون المرء بنَّاءً دائمًا، فلا يُعمِّر بيد، ويهدم بيد أخرى. ومن منطلق قاعدة “تُعرف الأشياء بأضدادها” فقد ذكر صلى الله عليه وسلم الضد وهو “لا تنفِّروا” تأكيدًا على لمسألة. فإن هذا المبدأ سنَّة نبوية في غاية الأهمية في التربية والتعليم والتبليغ. إذ لا مجال للتبليغ والتربية والتعليم الذي يعمل في القلب ويؤثر في الروح في الأوساط التي يسودها الكره والنفور.
وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه هذا المبدأ، وذكَّرهم به بوسائل وطرائق شتى. فذات يوم جاء صحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليه إمام الحي الذي يسكن فيه، إذ يطيل في قراءته في صلاة الفجر، ولا يرغب في أن يصلي وراءه، فما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد مما غضب يومئذ، فقام صلى الله عليه وسلم وقال: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ، فَلْيُوجِزْ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ“12. وفي موقف مشابه، عندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن سيدنا معاذ رضي الله عنه يطيل في صلاته، قال له: “يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟” منبهًا إياه أن فعله هذا قد يفتن الناس، وأوصاه بأن يقرأ بقصار السور حتى لا ينفِّر الجماعة من الصلاة13.
وقد اتّبع الرسول صلى الله عليه وسلم المبدأ نفسه في التعليم والإرشاد، وأكد على ضرورة الالتزام به. فقد كان صلى الله عليه وسلم يتخوَّل أصحابه بالموعظة من حين لآخر مخافة السآمة عليهم14. وكان سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يلتزم بهذه السنَّة النبوية، فكان يعظ الناس مرة كل خميس فقط، فلما طُلب منه أن يعظهم كل يوم، قال لهم: “ما يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهية أن أملكم. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولنا بالموعظة في الأيام، مخافة السآمة علينا”، مذكرًا إياهم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر 15.
لذلك، يجب احترام مبدأ “لا تنفِّروا” احترامًا كبيرًا. ولا سيما “إذا كان الحديث حول موضوعات دينية” فينبغي عدم تنفير الناس وإبعادهم من الأوساط التعليمية بالمحاضرات والمواعظ المطولة والمكثفة دون داع. فالدروس القصيرة الممنهجة والتي تغذي وعي الناس وتزيد من معرفتهم وحكمتهم أفضل من التكثيف والتطويل الممل.
الغلظة، تنفِّر!
من الأسباب الرئيسة في تنفير الناس وإبعادهم عن الحق والحقيقة في أثناء التبليغ والإرشاد والتربية والتعليم، هو غلظة الأسلوب وفظاظته. لقد ابتعد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم طوال حياته عن جميع أشكال الغلظة والشدة والفظاظة، وأعطى أولوية للتصرف بحب ورحمة وشفقة حتى في أشد الفترات وأحلكها. وحتى في وقت مثل أحُد الذي عاش المسلمون هزة كبيرة فيه، واستشهد 70 صحابيًّا، ومُثِّل بهم، جعل النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا اللين وليس الغلظة أساسًا له، يقول تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ…﴾16. فلم تغير المواقف والأحداث السيئة وغير المتوقعة من أسلوبه صلى الله عليه وسلم، بل بالعكس فإنه قد غير مجرى التاريخ بموقفه وأسلوبه النبوي.
لم يتوان صلى الله عليه وسلم عن التعامل بلطف مع أصحابه الذين يتعلمون ويتربون على يديه فحسب، بل ومع غيرهم أيضًا، حتى إنه كان يثني عليهم ويقدِّرهم. على سبيل المثال، أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمع اسمه قال: “بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة“. فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل، قالت له السيدة عائشة رضي الله عنها: “يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه؟” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا؟ إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ“17.
الضغط والإكراه، ينفِّر!
إن الضغط والإكراه في أثناء التبليغ والإرشاد والتربية والتعليم، ينفِّر ويُبعد المخاطبين عن المعلم والمرشد وعن الحق والحقيقة على حد سواء. لذا ينهي الله تعالى عن الإكراه حتى في الدعوة إلى الإسلام، يقول تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ…﴾18. لأن الإيمان لا يكون بالإكراه، فإن المُكره يُظهر الإيمان ويُطن غيره، ويكون منافقًا. والإيمان الذي جاء به الإسلام، ليس إيمانا زائفًا يقوم على الإكراه، وإنما هو إيمان خالص وصادق ناتج عن إرادة حرة. ولهذا السبب يأمر القرآن الكريم بأن تكون الدعوة “بالحكمة والموعظة الحسنة” التي تؤثر في العقل والمنطق والمشاعر وليس بالضغط والإكراه. كما يخبر القرآن الكريم أيضًا: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ …﴾19. مذكرًا بأن التبليغ لا يكون بالإكراه، وإنما بالموعظة الحسنة فحسب. ومن هذه الزاوية فإن المهمة الرئيسة لجميع الأنبياء، هو دعوة أممهم وأقوامهم بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بالضغط والإكراه.
العنف… ينفِّر!
إن العنف القولي والفعلي الذي يحدث بكثرة في التربية والتعليم، هو وسيلة خاطئة تسوق الناس إلى النفور والإعراض. فإذا ما تصرف المعلم والمرشد بأسلوب يحقر ويقلل من مخاطبيه، فإنه يدفع مخاطبيه إلى الابتعاد عن معلمهم، وكذلك عن العلم والتربية، وعن الحق والحقيقة التي يحاولون تبليغها. فالعنف القولي أو الفعلي يبث في المخاطب شعور الخوف والحزن والانكسار واليأس والنفور والإعراض، ويعرِّضه بمرور الوقت إلى أزمة حقيقية في شعور الثقة لديه، وربما الإصابة بضغوط نفسية. ولا سيما إذا تعرض المخاطب لموقف كهذا أمام أصدقائه، فإنه سيشعر أيضًا بالخجل والانتقاص. وفي النتيجة لن يتوقف الأمر عند حدِّ بُغض التربية والتعليم، بل إن الأمر سيصل بهم إلى تعلم العنف والشدَّة أيضًا.
وفي هذا الصدد يعبر سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه الذي تربى على يدي النبي صلى الله عليه وسلم وخدمه عشر سنوات عن حساسيته صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر على النحو الآتي: “خَدَمتُ رسولَ اللهِ ﷺ، عَشْرَ سِنينَ، لا واللهِ ما سبَّني سَبَّةً قَطُّ، ولا قال لي: أُفٍّ قَطُّ، ولا قال لشيءٍ فعَلْتُه: لِمَ فَعَلتَه، ولا لشيءٍ لم أفعَلْه: ألا فَعَلتَه..” . وأيضًا يذكر سيدنا أنس رضي الله عنه أنه عندما طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوصيه، أخبره صلى الله عليه وسلم أن يبتعد عن جميع خصال الغلظة والعنف ممتثلًا بذلك هديه صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، فيقول أنس رضي الله عنه: “لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا، وَلاَ فَحَّاشًا، وَلاَ لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتِبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ“20. وتروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما”21.
يقول صلى الله عليه وسلم: “مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ“22. داعيًا بذلك كل من يسعى خلف خصال الخير والبر والجمال أن يبتعد عن جميع ألوان العنف والشدة. ومن ثم يقول صلى الله عليه وسلم أيضًا: “إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ“23.
النتيجة:
كان نبينا ﷺ بشيرا نذيرا، فقد بُعث ﷺ مبشرًا ومشوقًا ومشجعًا ومحببًا ومرغبًا برفق ولين، وبُعث كذلك منذرًا ومحذرًا بشفقة ورحمة، واتخذ هذين الطريقين أساسا في طريق التبليغ والإرشاد والتربية والتعليم، ومن ثم فإن من واجب الذين يقتفون أثره من المعلمين والمرشدين والآباء والأمهات أن يسيروا على نهجه، وذلك بأن يستخدموا الأساليب والمناهج التي تجعل مخاطبيهم يستمعون إليهم بحب واهتمام، من طلاقة الوجه، والقول اللين، واللسان العذب، والتربية بالحكمة والموعظة الحسنة. وكذلك عليهم أن يبتعدوا عن المواقف والسلوكيات التي من شأنها أن تنفِّر الناس منهم أو من القيم التي يبلِّغونها؛ من عنف وإكراه وغلظة، والتي تسوق الناس إلى النفور والإعراض عنهم؛ فإذا فعلوا ذلك فقد بلغوا المقصد وحققوا الغاية، وكان لهم التأثير الأكبر على المخاطبين.
Footnotes
- انظر: سورة البقرة، 2/213؛ سورة النساء، 4/165؛ سورة الكهف، 18/56.
- سورة البقرة، 2/119؛ سورة المائدة، 5/19؛ سورة الأعراف، 7/188؛ سورة سبأ، 34/28؛ سورة فاطر، 35/24؛ سورة فصلت، 41/4؛ سورة الفتح، 48/8.
- سنن الترمذي، البر، 3 (1956).
- سنن البيهقي، شُعب الإيمان، 5/2742؛ المنذري، الترغيب والترهيب، 3/358.
- صحيح مسلم، البر، 43/144 (2626).
- البيهقي، شُعب الإيمان، 5/2742؛ المنذري، الترغيب والترهيب، 3/358.
- سورة طَهَ: 20/43-44.
- صحيح مسلم، البر، 23/77 (2593).
- صحيح مسلم، البر، 23/74 (2592).
- انظر: سورة آل عمران، 3/159.
- انظر: سورة النحل، 16/125.
- صحيح مسلم، الصلاة، 37/182 (466).
- انظر: صحيح مسلم، الصلاة، 36/178، 179 (465).
- انظر صحيح البخاري، العلم، 11 (68).
- صحيح البخاري، العلم، 12 (70)؛ صحيح مسلم، صفة القيامة، 19/82 (2821).
- سورة آلِ عِمْرَانَ: 3/159.
- صحيح البخاري، الأدب، 38 (6032)؛ صحيح مسلم، البر، 22/73 (2591).
- سورة البَقَرَةِ: 2/256
- سورة يُونُسَ: 10/99
- صحيح البخاري، الأدب، 38 (6031).
- انظر: صحيح مسلم، الفضائل، 20/79 (2328).
- صحيح مسلم، البر، 23/66 (2592).
- صحيح مسلم، البر، 23/78 (2594).