بقلم الدكتور/ سليم عبد الله
من المبادئ الأساسية للتربية النبوية هو رؤية الجانب الطيب لدى المخاطب والتركيز على خصاله الحميدة دائمًا. يعد هذا المبدأ عاملًا مهمًا لفتح باب الخير أمام المخاطب، وحثِّه على العمل الصالح، وتوجيه ميوله إلى البرِّ والخير، وتنشئته وتربيته “إنسانًا صالحًا كاملًا”. فالبشر لديهم فطرة وطبيعة منفتحة على الإيحاءات والتلقينات ومهيأة للتأثر بالكلمات الطيبة والخبيثة وكذا التعليقات الجميلة والقبيحة التي تصدر بشأنهم. ومن هنا ينبغي رؤية الجوانب الطيبة والحسنة في المخاطب أثناء مرحلة التعليم والتركيز عليها، والاقتراب منه من هذا الجانب؛ ومن ثم إنقاذه من الأخطاء التي وقع فيها أو الشرور التي اقترفها أو الإهمال الذي ألَمَّ به. وبعبارة أخرى، ينبغي الحرص على معرفة الصفة الطيبة والخصلة الحسنة في المخاطب وجعلها بابًا لغيرها من الجماليات والأعمال الصالحة. وهذا المنهج من شأنه أن يحفِّز المعلمين وأولياء الأمور والمرشدين إلى التربية السليمة، كما أنه سيؤثر في المخاطب بشكل إيجابي ويسعده ويجدد آماله ويقربه من الحق والحقيقة.
وبحسب مقولة الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي: “مَنْ أحسن رؤيته حَسُنتْ رويّته وجَمُل فكره، ومن جمل فكره تمتع بالحياة والتذ بها.”1، فإنه لا يمتلك المشاعر الجميلة الطيبة والأفكار الإيجابية إلا من أحسن رؤيته وركَّز على ما هو جميل؛ ولا يمتلك المشاعر الخبيثة والأفكار السيئة ووجهات النظر السلبية إلا الذين يركزون على الشر والسوء دائمًا. فغالبًا ما يعتقد الذين يتعاملون مع مخاطبيهم بمشاعر سلبية أنهم لا يستطيعون التخلي عن الأخطاء ولا يصيرون أناسًا صالحين، فيفقدون من الوهلة الأولى أملهم وحماسهم ويرون أن بذل الجهد في تربية وتعليم هؤلاء المخاطبين عمل لا طائل منه؛ مما يتسبب في نفور المخاطب من التعليم وإقصائه من الحياة الواقعية. وهم بذلك يقيدون مخاطبيهم باعتقاداتهم السلبية ويجعلونهم ضحية لأحكامهم المسبقة. بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بمن يتولى مسؤولية تعليمه وتربيته، فيسدي إليه النصيحة، ويقترب منه بالتركيز على خصاله الطيبة، ويرشده إلى الحق والحقيقة بأسلوب إيجابي بنَّاء. لقد كان صلى الله عليه وسلم يركز على الجماليات أو الصفة الطيبة التي يتمتع بها الإنسان، ويجعلها بمثابة أرضية وبيئة خصبة للتربية والتعليم.
التركيز على الأفعال الخيّرة خلقٌ إلهي!
عندما ننظر إلى الأمر من منظور الخُلق الإلهي والثواب الربَّاني، نجد أن هناك علاقة طردية بين الأعمال الصالحة التي يقوم بها الناس وبين هداية الله. بمعنى آخر، حينما يُلقي الله عز وجل في قلوب عباده ومضة الإيمان، فإنه تعالى يمن عليهم بالمثوبة والخير على أعمالهم الصالحة وسلوكياتهم وتصرفاتهم الطيبة. ولذا فإن الله عز وجل يثيب على الحسنات ويضاعفها ولا يضيع مثقال ذرة منها.
ومن الأمثلة على ذلك أن حكيم بن حزام كان يُعرف بسخائه في الجاهلية، فكان تاجرًا يفعل الخير والثواب؛ كان يعتق رقاب العبيد ويُنفق ما يزيد عن مائة ناقة للفقراء والمحتاجين. وظل هكذا بعد إسلامه؛ فكان في موسم الحج يعتق مائة عبد وينحر مائة من الإبل. فجاء هذا الصحابي الكريم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله: “يا رَسولَ اللَّهِ، أرَأَيْتَ أشْياءَ كُنْتُ أتَحَنَّثُ بها في الجاهِلِيَّةِ مِن صَدَقَةٍ أوْ عَتاقَةٍ، وصِلَةِ رَحِمٍ، فَهلْ فيها مِن أجْرٍ؟” فقالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “أسْلَمْتَ علَى ما سَلَفَ مِن خَيْرٍ!”2. ويوصيه صلى الله عليه وسلم قائلًا: “إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا“3.
ولذلك فإن أعمال البر والخير تصل بالإنسان إلى دائرة الإيمان وتُكسبه منزلة المؤمنين الصادقين. فالأعمال الصالحة مثلها مثل الدعاء، فكما يستجيب الله تعالى الدعوات اللفظية الصادقة، فإنه يستجيب أيضًا الأعمال الصالحة الصادقة. ونتيجة لذلك، كافأ الله عز وجل حكيم بن حزام على أعماله الصالحة وجزاه أفضل الجزاء بالهداية والإيمان. ولهذا فإن التركيز على الأفعال الخيِّرة للمرء ونعته بصفاته الحسنة وتقديره بهذه الصفات والإحسان إليه، هي أخلاق إلهية وأساس لا غنى عنه في التربية والتعليم على حدٍ سواء. علاوة على ذلك فإن تقدير الشيء الذي يقدِّره الله، والتحلي بهذا الخُلق الإلهي، لهو وسيلة مهمة لفتح قلب المخاطب على الحق والخير.
إنقاذ المخاطبين من أخطائهم!
كان هناك رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد جلده في شرب الخمر، فقد أُتي به يومًا فأمر به فجُلد، عندئذ قام رجل من القوم وقال: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به. فقال صلى الله عليه وسلم: “لَا تَلْعَنُوهُ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إلا أنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ“4. هنا يركز رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفة واحدة طيبة عند ذلك الشخص، ليعطينا بذلك الدرس والعبرة في أنه ينبغي التركيز على الخصال الطيبة في المخاطب وليس السيئات التي ارتكبها حتى يمكن الأخذ بيده وإنقاذه من الأخطاء التي وقع فيها.
وكما يتضح فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعد أن عاقب المذنب فإنه لم يتطرق إلى المعصية التي ارتكبها ولا إلى الحد الذي طبقه عليه وما إلى ذلك، بل على العكس من ذلك فإنه يَذْكر حسناته، ويصوب النظرة السلبية التي ينظر بها الناس إليه، ويخطو الخطوات الأولى لتخليصه من الذنب وإعادة دمجه في المجتمع. مؤكدًا بذلك على أنه ليس الأساس ولا المهم معاقبة المخاطب، بل تأليف قلبه وتصحيح خطئه. فالشخص الذي يُنكَّل به لخطأ ارتكبه وتُجرح مشاعره، ويُحكم عليه بالعدم مع أخطائه، والطرد من المجتمع، هو شخص يمكن فقدانه تمامًا. وربما يشعر هذا الشخص وكأن باب التوبة أُغلق دونه، ويُحرم تمامًا من رفقة الصالحين ومن أفعال البر والخير على حد سواء. ولذلك فإن الأفعال والخطابات السلبية تُنفر الشخص وتُقصيه بعيدًا؛ أما التعبير عن الحب أو إبراز الخصال الطيبة في المرء تُقرّب الإنسان البعيد أو الذي قد يبتعد بسبب أخطائه؛ فهذا التصرف يربطه بمربيه ومرشده ارتباطا وثيقًا.
الاقتراب ممن نال عقوبة خطئه!
وفي موقف آخر أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة الحد عليه، وفي أثناء ذلك قال بعض القوم: “أخزاك الله!” فقال صلى الله عليه وسلم: “لَا تَقُولُوا هَكَذَا! لَا تُعِينُوا الشَّيْطَانَ عَلَى أَخِيكُمْ“5. وكما نرى فإن رسول الله ﷺ هنا يعاقب من ارتكب معصية تستوجب الحد، لكنه بعد ذلك يُسكت من يحاول لومه أو نبذه، ويمنع أي قول أو فعل يزج به في براثن الشيطان. وحتى في أثناء تدخله في هذا الموقف، يقول بصوت مسمع للجميع “أخيكم” من أجل الاستحواذ على عواطف المخاطب ومد يد العون إليه لانتشاله من دائرة الذنوب والأخطاء، كما إنه يحول في الوقت نفسه من أن يتكوَّن داخل المجتمع أي شعور سلبي تجاهه.
فكأنه صلى الله عليه وسلم يبعث برسالة مفادها: “إن هذا الشخص هو أخ لنا حتى ولو ارتكب ذنبًا. فلا ينبغي نبذه بسبب خطئه وتسليمه في يد الشيطان، بل يجب الاقتراب منه بالقول الطيب واحتضانه كأخ لنا. ومن ثم يعتبركم المخاطب أخوة له وليس الشيطان، وينقطع عن أعماله الخبيثة”. ومن جهة أخرى يحظر إقصاء وتهميش المخطئ باللعن والدعاء عليه بالسوء، بل يجب إعانته على محو سيئاته والتخلي عنها، بدمجه في المجتمع المسلم الصالح. فإن لم يتم التصرف هكذا فإن العقوبة إلى جانب التعدِّي اللفظي أو اللعن والنبذ سيُنفِّر المخاطب من الدين، بل ويجتثه من المجتمع المسلم كذلك.
التعامل مع الشكاوى!
جاء أصحاب سيدنا عبد الله بن حذيفة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكون أن عبد الله صاحب مزاح وباطل، فقال صلى الله عليه وسلم: “اتركوه فإن له بطانة يحب الله ورسوله“6. ومن هذا الحديث نجده صلى الله عليه وسلم لا يسلط الضوء على خطأ أو تقصير المخطئ، بل على العكس من ذلك فإنه يّذْكر خصاله الطيبة التي يتمتع بها، فيبعث بذلك رسالة إلى عبد الله وفي الوقت ذاته إلى أصحابه الذين جاؤوا يشتكونه بضرورة التركيز على الصفات الحميدة، وليس المساوئ والأخطاء. والحقيقة أن تحذيرات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته هذه تؤتي ثمارها، إذ يتعظ جميع من حوله بما حذر منه رسول الله ﷺ؛ فيصححون سلوكهم ويقلعون عن أخطائهم.
ردّ فعل نبوي تجاه الإساءة للغير!
عن عِتْبانَ بن مالكٍ وهو أحدُ بني سالمٍ قال: كنتُ أصلِّي لقومي في زمنِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فلما ساءَ بصري وبيني وبين قومي وادٍ طفقتُ يشقُّ عليَّ إجازةُ الوادي إذا كانت الأمطار، فشكوتُ ذلك إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قلتُ: يا رسول الله وددتُ أنك تأتِيني فتصلِّي في بيتي في مكانٍ أتَّخِذُه مصلًّى. فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: “سأفعلُ”. قال عتبانُ فغدا عليَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو بكرٍ حين تعالَى النهارُ فاستأذن فأَذِنت له فلم يجلس حتى قال: “أين تُحِبُّ أن أصليَ من بيتِك؟” فأشرتُ له إلى المكان الذي نريد. فقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكبَّر وصلَّى ثم سلَّم وجلس في مصلَّاه.
وحبسناهُ صلى الله عليه وسلم لطعام يُصْنَعُ له رِجَالٌ أَهْلَ الدَّارِ وَهُمْ يَدْعُونَ وَالدُّورُ قُرْبَهُمْ فلم أشعر حتى كثُرَ الرجالُ في بيتي فقال رجلٌ منهم: أين مالكُ بنُ الدُّخْشُمِ لا أراهُ أتى؟ فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله؛ يريد بذلك وجه الله“. قال الرجل: الله ورسوله أعلم، فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين. فقال صلى الله عليه وسلم: “إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله“7.
وهنا نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدافع عن هذا الصحابي الذي تشكلت لدى قومه قناعة سلبية من كثرة لقاءاته بالمنافقين، بل ويدفع الشبهات عنه أيضًا، ويعلن عن أنه صادق في إسلامه لا يبتغي بذلك إلا وجه الله. فمن ناحية يصحح رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرة الناس السلبية إليه، ومن ناحية أخرى يقطع السبيل أمام اغتيابه والخوض في أمره، بالإضافة إلى أن هذا الرد يشحذ همة سيدنا مالك ويجعله أكثر ثباتا وإيمانًا، كما سيدفعه هذا إلى أن يتصرف بحذر أكبر وينأى بنفسه عن مواطن التهم والشبهات.
تنبيه قتادة عندما ذم قريشًا!
تعامل المشركون بوحشية كبيرة مع شهداء المسلمين في غزوة أحُد، فلم يتمالك سيدنا قتادة رضي الله عنه أن سبَّ قريشًا، فما إن سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال له: “مَهْلًا يَا قَتَادَةُ لَا تَسُبَّنَّ قُرَيْشًا، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يُرَى مِنْهُمْ رِجَالًا تَزْدَرِي عَمَلَكَ مَعَ أَعْمَالِهِمْ، وَفِعْلَكَ مَعَ أَفْعَالِهِمْ، لَوْلَا أَنْ تَطْغَى قُرَيْشٌ لَأَخْبَرْتُهَا بِمَا لَهَا عِنْدَ اللهِ” 8.
وكما يتضح هاهنا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يركز على خطأ المخطئ ولا إساءة المسيء، بل إنه يهدف إلى استمالة وتأليف قلوبهم بالتركيز على خصالهم الطيبة. فهو ينظر للأمام، فإن استطاع تأليف قلوبهم فسيجعل من يصرون على ارتكاب المعاصي ويجتهدون في فعل الشر يأتون في طليعة المُقبلين على فعل الخير، وهو بذلك أيضًا يعلِّم أصحابه وجهة نظر ومنهج جديد في التربية والتعليم. لهذا يصرح صلى الله عليه وسلم لسيدنا قتادة رضي الله عنه صراحة أنه سيكون مخطئا إذا اتخذ حكمًا مسبقًا بحسب ما فعلته قريش وقتئذ، ويحثه على توجيه نظره إلى المستقبل في كل وقت، وليس إلى الماضي وما يعيشه الآن.
وهكذا فإنه كما حمى النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا قتادة من أن يتسرع في حكمه على قريش، وحماه من الوقوع في الخطأ والذنب، فإنه أيضًا يصرح ببشارة مهمة لما سيقع في المستقبل. وبهذا فإنه صلى الله عليه وسلم يلفت الانتباه إلى ضرورة الالتزام بهذا المنهج النبوي وتطبيقه عمليًا على أرض الواقع بحسن الظن بالناس والتركيز على خصالهم الطيبة. والحقيقة أن بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم تحققت، فقد أسلمت قريش في فتح مكة، ودافع كثيرٌ منهم عن راية الإسلام. على سبيل المثال، سيدنا خالد بن الوليد الذي كان واحدا منهم، فقد قدم خدمات جليلة وجليَّة للإسلام والمسلمين.
النتيجة
ينبغي خلال مراحل التربية والتعليم التركيز أولًا على الجوانب الطيبة والجميلة في المخاطب، وذكره بالخير دائمًا، ونعته بالكلمات الطيبة، هذا إلى جانب الجهود المبذولة في تربيته وتنشئته بحب واحترام. فالكلمة الطيبة كما ورد في القرآن الكريم: ﴿…كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا…﴾ (سورة إِبْرَاهِيمَ: 14/24-25). ويقول صلى الله عليه وسلم: “الكلمة الطيبة صدقة“9؛ ليشير بذلك إلى أن الكلمة الطيبة وتقدير الإنسان حاجة ضرورية للمخاطب، وأن ذلك يعزز الصدق والوفاء لديه ويرسخه في قلبه.
وبحسب مقولة “تُعرف الأشياء بأضدادها”، يُبيِّن القرآن الكريم عدم فائدة الكلمات السلبية والتعليقات القبيحة ويشبهها بالشجرة الخبيثة، يقول تعالى: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ (سورة إِبْرَاهِيمَ: 14/26). ولهذا السبب ينبغي على القائمين على تربية الناس وتعليمهم وتزكية قلوبهم وأرواحهم، ألا يتخذوا موقفًا قاسيًا ومهينًا تجاه من يخطأ، وألا ينعتوهم بكلمات سيئة أو يسبوهم أو يلعنوهم أو يحكموا عليهم حكمًا سلبيًا؛ لأنه ليست هناك ثمة فائدة من هذا الأسلوب ستعود على المربِّي أو المخاطب على حد سواء.
إذا أراد المعلمون والمربون توجيه مخاطبيهم لإنقاذهم من أي شر، أو تصحيح خطأ ما، أو تعويض نقص حادث، فعليهم بداية أن يركزوا على ما يتحلى به المخاطب من الخير والجمال وإبرازه، والتركيز على إحدى فضائله، وجعلها بابًا لاكتسابه فضائل أخرى. وإلا فليست المسألة في أن تترك المخاطب وحده مع منكر ارتكبه أو طبع سيء اعتاد عليه. ومن ثم ينبغي على المربي والمعلم أن يعرفا المخاطب معرفة جيدة، وأن يكونا على علم بعيبه أو خطئه أو نقائصه، ولكن في الوقت نفسه لا ينبغي أن يركزا على هذه النقائص، بل عليهما أن يقتربا منه بالتركيز على خصاله الطيبة، ويعملا على إنقاذه من العادات السيئة والشرور، وأن يفتحا له أبواب الخير.
Footnotes
- سعيد النورسي، المكتوبات، نوى الحقائق.
- صحيح البخاري، الزكاة، 24 (1436)؛ البيوع، 100 (2220)؛ العتق، 12 (2538)؛ الأدب، 16 (5992)؛ صحيح مسلم، الإيمان 55/194-196(123).
- صحيح البخاري، الأدب، 69(6094)؛ صحيح مسلم، البر، 29/103- 105 (2607).
- صحيح البخاري، الحدود، 5 (6780).
- صحيح البخاري، الحدود، 4 (6777).
- تاريخ دمشق لابن عساكر (27/ 359).
- صحيح البخاري، الصلاة، 46 (425)؛ التهجد، 36 (1186)؛ الإطعام، 15 (5401)؛ استتابة المرتدين، 9 (6938)؛ صحيح مسلم، الإيمان، 10/54 (33).
- الطبراني، المعجم الكبير، 14745.
- صحيح البخاري، الجهاد، 128 (2989)؛ صحيح مسلم، الزكاة، 17/56 (1009).