الأسس النبوية في التربية والتعليم (21): النصح والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة!

بقلم الدكتور/ سليم عبد الله

إن أنجع الوسائل في حل المشكلات وتصحيح الأخطاء التي يقع فيها المخاطب، هو تنبيهه وتذكيره بالمسؤولية، وتوجيهه إلى الخير والبر، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة. فإن القول الطيب والنصح السديد يدفعه إلى الابتعاد عن الأخطاء وتبنِّي الصواب والتصرف بأفضل شكل ممكن. فلا ينبغي أن نُغضب المخاطب أو نعنّفه إذا ما وقع في خطإ ما، ولا نتصرف معه بأسلوب فظ غليظ، بل ينبغي أن نحرص على أن نفتح قلبه وعقله ومشاعره على الحق والحقيقة دون أن نؤذي مشاعره، ونُحببه في الصواب، ونجعله يتبناه طوال حياته.

ومن ثم تتبوأ هذه المبادئ التي بيَّنها القرآن الكريم لرسول الله صلى الله عليه وسلم -بينما يدعو إلى سبيل ربِّه- مكانة مهمة في تسليط الضوء على موضوعنا؛ يقول الحق تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (سُورَةُ النَّحْلِ: 16/125).

وعلى هذا فإنه ينبغي على الأبوين والمعلمين والمربين أن يتحلوا بالحكمة والحسنى ورباطة الجأش والصبر حتى وإن لم يصحح المخاطب خطأه أو أعرض عنهم، يقول تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (سُورَةُ النَّحْلِ: 16/125). وانطلاقًا من تفسير هذه الآية الكريمة، فإنها تنبه الدعاة وكذلك الآباء والمعلمين والمربين على مبدء غاية الوضوح مفاده: “لا تتعجلوا! فأنتم لا تدرون من يهتدي، ومتى يهتدي المرء إلى الصواب، فربكم أعلم بذلك، والمنوط بكم هو المداومة على التوجيه والتعليم بصبر وحلم”. فهذا الوعي والتصميم، هو وسيلة فعالة وحكيمة في أن يتبنى المخاطب السلوك المرجو ويترسخ فيه بمرور الوقت.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا1. وذلك لأن الكلمة المؤثرة التي تُقال في الزمان والمكان المناسبين تفتح أفق الشباب أو النشئ؛ فيكون لها عظيم الأثر في ابتعادهم عن السلوكيات السيئة والعادات الخاطئة. فأحيانًا ما تُحقق الكلمة الطيبة أو التوجيه الحكيم أو الموقف الرزين تغييرًا تعجز أطنان من الضغط والقسوة عن فعله. لذا فإن العامل المؤثر في الأساس هو الكلمة الطيبة والأفعال الحكيمة وليس العقاب. ومن الممكن رؤية العديد من الأمثلة على ذلك من حياة نبينا صلى الله عليه وسلم.

دعوة إلى احترام الذات!

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يغضب أو يسخط أو يفحش بالقول إذا ما بدر من مخاطبه خطأ، سواء رآه بعينه أو سمعه من غيره، بل ينبهه ويوجهه إلى الخير والمعروف. لذلك تُلخص السيدة عائشة رضي الله عنها هذه الخصال السامية للنبي صلى الله عليه وسلم فتقول عن خُلقه صلى الله عليه وسلم: “لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ2.

كذلك يلخص سيدنا أنس رضي الله عنه هذا المنهج الذي اتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في التربية والتعليم بقوله: “لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا، وَلاَ فَحَّاشًا، وَلاَ لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتِبَةِ: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ»3.

إذ أنه لا توجد ثمة فائدة تُذكر من الانجراف وراء مشاعر الانتقام، والتعجل في المعاقبة، وتجاوز الحد إزاء الأفعال والتصرفات الخاطئة في أثناء التربية والتعليم. والواجب فعله هو التحكم في المشاعر والأسلوب، والانتباه بداية إلى ضرورة أن يشعر المخاطب بالتقدير والاحترام. إن بدء المعلمين أو الآباء في التحدث بحكمة مع أبنائهم، يشكل أثرًا إيجابيًّا في قلب ونفس الطالب أو الابن. والحقيقة أن هذا المبدأ -والذي يتضمن أيضًا العفو- يمنح المخاطب الفرصة والقدرة على استيعاب السلوك الصحيح وتبنيه. لأن دفع السيئة بالحسنة وليس بالسيئة، يُبعد المخاطب سريعًا عن الخطأ الذي اقترفه، ويقربه للصواب. كما أن هذا الأسلوب الحكيم الذي يتبناه الآباء أو المعلمين والمربين يعطي المخاطب رسالة مفادها “أنهم يحرصون على تنبيه المخاطب إلى أنه يؤذي نفسه بهذه الأفعال، وأنهم يريدون الأفضل له بهذه التوجيهات، وأنهم يعملون على حمايته بحب وإخلاص”. فليس لهذه الحميمية أي آثار جانبية كمبدأ العقاب، بل إنها وسيلة تدفع المخاطب نحو الخير والصواب.

تنبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر!

غضب أبو ذر رضي الله عنه من غلام عنده لخطأٍ اقترفه، فعيَّره بأمه، يقول: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وكانت أمه أعجمية، فعيرته بأمه، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: “يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ“. قلت: يا رسول الله، من سب الرجال سبوا أباه وأمه، قال: “يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ4. فندم أبو ذر إزاء هذا القول الطيب والاقتراب الحسن من النبي صلى الله عليه وسلم ، فأصبح يعامل غلامه كما أوصاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقترف هذا الخطأ مرة أخرى.

التنبيه الحازم واللين في الوقت نفسه لأسامة بن زيد!

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما إلى الحرقة من جهينة، قال: فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلًا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته.

فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: “يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ“.  قلتُ: يا رسول الله، إنما كان متعوذًا، قال صلى الله عليه وسلم: “أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ“، فما زال صلى الله عليه وسلم يكررها عليَّ، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم5.

وكما نرى النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمت أمام هذا الاجتهاد الخاطئ الذي أدى إلى خطأٍ كبير، كما أنه صلى الله عليه وسلم في الوقت نفسه لم يحقر من شأن مخاطبه، ولم يصِحْ فيه، ولم يعنفه أو يزجره. على العكس من ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم قد خاطب قلبه وإيمانه ومشاعره، ملقنًا إيَّاه درسًا في أنه لا يجوز قتل من أعلن إيمانه بالله حتى لو في ساحة الوغى، كما يُعلمه أنه ليس من السهل معرفة مدى صدق إيمان الفرد من عدمه. حتى إنه لم يترك المسألة عند هذا الحد، فذكرت إحدى الروايات في صحيح مسلم، أنه صلى الله عليه وسلم قال لأسامة بن زيد: “فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟” إلا أن أسامة بن زيد يوضح سبب فعله هذا فيقول: يا رسول الله، أوجع في المسلمين، وقتل فلانًا وفلانًا، وسمى له نفرًا، وإني حملت عليه، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله. إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد له مرة أخرى خطأ ما فعل فيقول له: “وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟“. لقد كان هذا الأسلوب الحكيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم سببًا في إدراك أسامة رضي الله عنه خطأه، وندمه على فعلته. وليس هذا فحسب بل لدرجة أنه تمنى أن لم يكن أسلم قبل هذا اليوم. فأدرك رضي الله عنه عظم خطئه، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، استغفر لي، فجعل صلى الله عليه وسلم لا يزيده على أن يقول: “كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ6.

معرفة سبب ارتكاب الخطأ!

من المهم قبل اللجوء إلى أسلوب المعاقبة في التربية والتعليم معرفة سبب ارتكاب الخطأ. لأن النزول على سبب الخطأ يكون أمرًا مهمًّا لإنقاذ المخاطب منه، وتوجيهه إلى الصواب. ومن أبرز الأمثلة على ذلك تلك الحادثة التي وقعت لسيدنا حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه.

كان سيدنا حاطب رضي الله عنه من السابقين الأولين من المسلمين في مكَّة المكرمة. وكذلك بعد الهجرة فقد لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ولم يفارقه قط، وشهد معه بدر وأحد والخندق والحديبية كما شهد بيعة الرضوان. لما نقض مشركو مكة صلح الحديبية وخانوا العهد، شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخطيط لفتح مكَّة، وإعداد العدة في سِرِّية تامة. فكان يخبر السائل بأنهم يعدون العدة من أجل خيبر. ومع ذلك فإن حاطب بن بلتعة –وهو من أهل مكَّة- خمَّن أنهم يعدون العدة من أجل فتح مكة، وفكر في تنبيه أقربائه في مكة. فأخبر بعض أشراف قريش بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن يحموا أقرباءه في مكة. كانت خطة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الدخول إلى مكة دون أن تتأهب قريش، ومن ثم يستسلموا دون أن تُراق قطرة دم واحدة. لذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حُرَّاسًا على الطرق المؤدية إلى مداخل ومخارج مكة والمدينة.

إلا أن حاطبًا لم يكن يدرك هدف هذه الحساسية العالية من رسول الله والحكمة منها، فأرسل كتابًا إلى أشراف قريش أعطاه لجارية أبي لهب وتُدعى “سارة” وكانت في المدينة وقتئذ. يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في المسير إليهم. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء مع جبريل عليه السلام يخبره بما صنع حاطب. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا، والزبير، والمقداد، فقال لهم: “انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوا مِنْهَا“. فانطلقوا فإذ بالجارية، فأخذوا منها الكتاب وأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟“. قال: يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقا في قريش، يقول: كنت حليفًا، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يدًا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادًا عن ديني، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ“.

فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ7.

وكما نرى في هذا المثال، نجده صلى الله عليه وسلم يستدعي هذا الصحابي الذي ارتكب خطأ عظيمًا ويسأله عن سبب فعلته، ليضع صلى الله عليه وسلم يده على سبب المشكلة، ومن ثم اقتنع بعذره، وعفا عنه، بعد أن بيَّن له باللين والحكمة خطأ فعلته. كما إنه رفض أن يرميه عمر رضي الله عنه بالنفاق وأن يهدر دمه. فقد دافع عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم خطئه، ورأى أن شهادته بدرًا سببًا كافيًا للعفو عنه، وقد أيد الحق تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن حرَّم اتخاذ أعداء المسلمين أولياء، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ…﴾ (سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: 60/1)

وقد ندم حاطب على فعلته، واستسلم للمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وللوحي، وشارك في فتح مكة وشارك أيضًا في غزوة حنين. وعاش حياته مؤمنًا صادقًا، ولم يرتكب مثل هذا الخطأ مرة أخرى.

عدم التقليل من شأن المخاطب!

لم تكن السيدة عائشة رضي الله عنها مجرد زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم، بل كانت أيضًا أكثر طلابه فطنة وذكاء، وأحب زوجاته إليه صلى الله عليه وسلم، إلا أنها بشر. فتغلب عليها في بعض الأحيان العاطفة الأُنثوية فتقع في الخطأ، وتتصرف بشكل قد لا يُعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد كانت رضي الله عنها في حقيقة الأمر حريصة على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، وتطوير نفسها على الدوام، محاولة في ذلك الوصول إلى الكمال البشري. ولكن بطبيعة الحال فإن الإنسان هو ابن مجتمعه، فيرتكب بعض الأخطاء بسبب بعض العادات أو التقاليد التي يعتاد عليها من مجتمعه. وكالعادة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب ولا يعنف مخاطبه ولا يعاقبه إزاء هذه الأخطاء، على العكس فإنه ينصح زوجاته بالحكمة والموعظة الحسنة، ويوفق بينهن بأسلوب لين حسن.

ذات يوم وصفت السيدة عائشة رضي الله عنها بدافع الغيرة السيدة صفية بأنها قصيرة. فلم يرض صلى الله عليه وسلم عن قولها، مبينًا قُبح ما في الكلمة من الغيبة والإهانة، فقال لها صلى الله عليه وسلم:”لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ

فأدركت السيدة عائشة رضي الله عنها عِظم خطئها، فلم ترتكبه مرة أخرى. وفي إحدى المرات أرادت السيدة عائشة أن تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن شخصٍ فأخذت تقلده لكي تذكِّره به، فلم يرض صلى الله عليه وسلم عن هذا التصرف، وقال لها: “مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ أَحَدًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا8، أي ما أحب تقليد الناس ومحاكاتهم.

وكما نرى من الأمثلة السابقة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعجل في معاقبة مخاطبه على قول أو فعل خطأ وقع فيه، ولا يمد يده عليه، ولا يعنفه ولا يزجره. بل يبيِّن له بأوجز العبارات مدى فداحة ما ارتكبه. وفي النهاية فإن هذه التنبيهات الحكيمة والموعظة الحسنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمثابة درس جاد للمخاطب، فيقوِّم من سلوكه، وفي الوقت نفسه درسًا للأمة جمعاء لتسير على خُطى سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم.

خُلاصة القول

إن العقاب بنوعيه البدني واللفظي هو أمر جد خطير، وله آثار جانبية سلبية وخطيرة للغاية. إنه نهج غير مجدي في أغلب الأحيان في تغيير وتطوير المخاطب، وذلك لأنه يَعتقد دائمًا بأنه لا يستحق العقاب. فإن شعور المخاطب بأنه يتعرض للظلم والقهر ربما يثير فيه مشاعر العنف والانتقام تجاه والديه أو معلمه ومربيه. ومن الممكن أن ينفر تمامًا من التربية والتعليم، ويبتعد عن الدين والأخلاق، ومن ثم لا تكون الحكمة والموعظة الحسنة مفيدة وقتئذ. أما الاقتراب من عقل ومشاعر وأفكار وقلب المخاطب، فإنه يساعد على حل المشكلة في عالمه الداخلي بكل سكينة وهدوء.

Footnotes

  1. صحيح البخاري، الطب، 51 (5767).
  2. سنن الترمذي، (2016).
  3. صحيح البخاري، الأدب، 38 (6031).
  4. صحيح البخاري، الإيمان، 21 (30)؛ الأدب، 44 (6050)؛ صحيح مسلم، الأيمان 9/38-40 (1661).
  5. صحيح البخاري، الدية، 2 (6872)؛ المغازي، 45 (4269)؛ صحيح مسلم، الإيمان، 41/158، 159 (95).
  6. صحيح مسلم، الإيمان، 41/160 (97).
  7. صحيح البخاري، المغازي، 46 (4274).
  8. سنن أبي داود، الأدب، 40 (4875)؛ سنن الترمذي، القيامة، 51 (2502، 2503).
قد يعجبك ايضا