نضال النبي صلى الله عليه وسلم مع التعذيب

بقلم: يوجَل مان

تلجأ الأرواح السادية التي لا تحترم الحقوق والحريات ولا تهتم بالعدالة والإنصاف إلى جميع الوسائل غير الإنسانية لتحقيق أهدافها. وإحدى هذه الوسائل التي تعتبر جريمة في حق الإنسانية هي “التعذيب”. وهو الاضطلاع بمعاملاتٍ وممارساتٍ غير إنسانية تُحدث آلامًا مادية وروحية وتحطّ من كرامة الإنسان، كالحصول على المعلومات بشكل قسري، والمعاقبة بشكل غير قانوني، والإجبار على الاعتراف والإقرار، ومحاولة تغيير الدين والفكر، وإجبار الشخص على ارتكاب فعل ما، وإشباع المشاعر السادية… إلخ. وتتمثل هذه الجريمة الشنيعة عبر التاريخ: في الحرق والوسم والبتر والضرب والصعق بالكهرباء والتجويع والتعطيش والتعريض للحرارة الشديدة والبرودة القاسية والخنق… إلخ. وكما يكون التعذيب بدنيًّا يكون أيضًا لفظيًّا ومعنويًّا بالتوبيخ والتحقير الذي يفسد البنية الروحية للإنسان ويضرّ بكرامته، أو يكون بسبّه هو أو أحبائه، أو تحقير القيم التي يؤمن بها، أو حرمانه من أسرته أو أحد أفرادها، أو التعرض لهم بالأذى أو التهديد…

ولقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام إلى أذًى شديد بسبب دينهم ودعوتهم؛ كما تعرض بعضُ أقربائه لتعذيب مادي ومعنوي كبير خلال الفترة المكية بسبب دعمهم له صلى الله عليه وسلم. فلقد كان هؤلاء المشركون يحاولون دائمًا إثناءه صلى الله عليه وسلم عن الدفاع عن الحقوق وعن الدعوة إلى الله، وإيقاف أعمال الدعوة والتبليغ، وإطفاء نور الإسلام؛ فكانوا يعمدون إلى الاستهزاء به باستمرار على مرأى ومسمع الجميع، ومخاطبته بأبشع الأوصاف، والإهانات، وإلقاء الأوساخ والأقذار عليه، ومحاولة خنقه مرات عديدة، ورمي الأشواك في طريقه، وضربه ورشقه بالحجارة، وإلحاق الضرر بأحبائه، وتعريضهم لمقاطعة شديدة لمدة ثلاث سنوات، وتشتيت عائلاتهم وذويهم، وعزلهم عن المجتمع.

كما تعرض أصحابه أيضًا للأذى والتعذيب الشديد؛ فقُيّدت أيديهم وأرجلهم بالسلاسل، وأُلقوا في السجون، وتُركوا جوعى وعطشى لأيام، وتعرضوا للضرب المبرح حتى الموت، وأُلبسوا الدروع الحديدية وعُرّضوا للحرارة الشديدة، ووُضعوا على الصخور الملتهبة، ووُضعت الصخور فوق صدورهم، وتُركوا لحرارة الشمس القاسية، ورُبطوا بحبلٍ من أعناقهم وسُحبوا في الشوارع والطرقات، وأُرقدوا على الجمر الملتهب، وسُلب منهم أولادهم، ووُضعت رؤوسهم في الماء حتى يختنقوا. لقد كانوا يعانون أشد المعاناة لدرجة أن بعضهم كان يستشهد تحت وطأة هذا التعذيب الشديد. والواقع أن هذه الضغوطات الواقعة عليهم لردِّهم عن دينهم قد دفعتهم إلى مغادرة وطنهم وديارهم بحثًا عن الأمن والسلام.

لقد ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بُعث رحمةً للمخلوقات عامة، وللإنسان خاصة، طوال حياته يواجه كل أنواع الأذى والتعذيب. فلم يكن يرحِّب حتى بأدنى شيء يؤذي أي مخلوق وذلك لقطع الطرق أمام محاولات التعذيب، وليبعث لمخاطبيه برسالة فحواها: “اجتنبوا الأذى والتعذيب”. لقد ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعائم وأُسس حضارته على قواعد احترام الحق والحقوق والحريات، والقيم الحقوقية والأخلاقية العالمية مثل العدالة والحب والرحمة والتسامح والمعاملة الحسنة. إذ كان يتوخى الحذر والحساسية الشديدة تجاه كرامة الإنسان وحقوقه وحرياته؛ ويقف حائطَ صَدٍّ تجاه جميع أنواع الانتهاكات والقسوة والظلم والممارسات المهينة والتعذيب مهما كان السبب، ويتخذ الإجراءات الوقائية للحيلولة دون وقوع ذلك. كان لا يتهاون أبدًا عن أي أذى يلحق بالإنسان؛ من أبسط أذى لفظي إلى أشد أنواع التمثيل به، محاولًا من خلال التحذيرات والتنبيهات الدائمة تشكيل وعي عالٍ والارتقاء بالشعور الإنساني في المجتمع الإسلامي:

عدم المساس ببدن الإنسان وشخصيته!

يخبرنا القرآن الكريم بأن الإنسان خُلق في أحسن تقويم 1، وسُخر له ما في السماوات والأرض جميعًا 2، وجُعل خليفة الله تعالى في الأرض 3، وكرِّم على سائر المخلوقات 4. وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي ينظر إلى الوجود بمنظار القرآن الكريم يعرِّف مخاطبيه بـ”الإنسان” على هذا النحو، ويحاول أن يجعله في مقام ومكان راق يليق بإنسانيته. فكان يحترم الإنسان حيًّا كان أو ميتًا على حد سواء 5. فإن هدف القرآن الكريم وغايته صلى الله عليه وسلم هو توجيه وإرشاد “الإنسان” إلى درب السعادة الدنيوية والأخروية. وهذا يشير إلى أن أذى وتعذيب مثل هذا المخلوق الثمين، بدنيًّا أو معنويًّا، ميتًا كان أو حيًّا، هو جريمة وذنب عظيم يستحق فاعله أشد العقاب.

فالإسلام يرفض تمامًا الإكراه والإجبار ولو حتى على الإيمان الذي هو الحقيقة الكبرى 6. فلا يُعْتَدُّ بالإقرار والاعتراف بجرمٍ ما تحت الضغط والتعذيب. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللهِ7، وينهى عن مس روح الإنسان وجسده وماله وكرامته وشرفه بأي أذًى: “أيها الناس! إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إلى يوم تَلقَونَه8.  ومع ذلك، فإن العقوبات المبنية على قرارات معللة تطبق وفقًا للمسؤولية التي يفرضها الإسلام هي عقوبات استثنائية.

الأذى حق العبد الذي يقود الإنسان إلى الإفلاس!

إن الإسلام يصون حقوق الإنسان وحرياته بحقيقة “حق العبد” التي تعطي حق الصفح لصاحب الحق؛ كما يعتبر الاعتداءَ على حق العبد من أكبر الذنوب، ويحذر من العاقبة الوخيمة في الآخرة، ويدعو المسلمين ليكونوا حساسين للغاية في هذه المسألة. فأولئك الذين يؤذون الناس بأي طريقة كانت، يعتدون بداية على حق العبد، ويفقدون كل ما لديهم في الآخرة. ذات يوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله: “أتدرون من المفلسُ؟” قالوا: “يا رسولَ اللهِ المفلسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ”، فقال: “إنَّ المفلسَ من أمتي من يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مالَ هذا فيأخذُ هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضيَ ما عليه أخذ من سيئاتهم فطُرِحَ عليهِ ثم طُرِحَ في النارِ9.  وبذلك يشير صلوات ربي وسلامه عليه إلى أن انتهاك الحقوق المادية والمعنوية للناس بالأذى والتعذيب يمكن أن يؤدي بالمسلمين إلى الإفلاس في المستقبل، على الرغم من عبادتهم. نعم، التعذيب ظلم عظيم وسيتمثّل قطعًا كغيره من الذنوب أمام الإنسان يوم القيامة.

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ (سورة الأَحْزَابِ: 33/57)

وكما ورد في المقدمة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد تعرضوا أيضًا لشتى أنواع الأذى. فالآية الكريمة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ (سورة الأَحْزَابِ: 33/57) تتوعد من يؤذون رسول الله بلعنة الله تعالى عليهم في الدنيا والآخرة وبالعذاب المهين في الآخرة. ويقول سبحانه وتعالى أيضًا: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (سورة التَّوْبَةِ: 9/61)، فتذكر الآية أن بعض المنافقين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الأفعال والأقوال، ومن ثم استحقوا أشد العذاب. ولذلك فإن الله تعالى عندما يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾ (سورة الأَحْزَابِ: 33/69)، فإنه يدعو جميع المؤمنين الذين سيأتون إلى يوم القيامة إلى أخذ الحيطة والحذر في هذه المسألة.

أخف الأذى للمؤمن هو الأذى لله ورسوله!

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “… وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَكْرَهُ أَذَى المُؤْمِنِ10.  ناهيًا عن توجيه أدنى إيذاء للمؤمن، محذرًا من الاستمرار في ذلك. وفي أحد الأيام، بينما النبيُّ ﷺ يخطب إذ جاءه رجل يتخطى رقابَ النّاسِ حتى جلس قريبًا من النبي ﷺ، فلما قضى ﷺ صلاتَه، قال: “ما منعك يا فلان أن تجمِّعَ معنا؟” قال: “يا رسول الله قد حرصتُ أن أضع نفسي بالمكانِ الذي ترى”، قال: “قد رأيتُك تخطي رقاب النّاس ِوتؤذيهم، من آذى مسلمًا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عزَّ وجلَّ11.

ذات يومٍ تسبب حديث الناس عن أبي جهل في أذًى شديد لابنه عكرمة رضي الله عنه، فقرر مغادرة المدينة. فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر، جمع الناس في المسجد النبوي وقال لهم: “يأتيكُم عِكْرمةُ بنُ أبي جَهْلٍ مؤمِنًا مُهاجرًا، فلا تسبُّوا أباهُ، فإنَّ سبَّ الميِّتِ يؤذي الحيَّ، ولا يبلُغُ الميِّتَ12.  إنه يخبر بأن المؤمن لا ينبغي أن يُؤذى بأي شكل من الأشكال وعلى أي صعيد كان.

حرمة إيذاء الهويات المختلفة!

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيذاء المسلمين بعضهم البعض، كذلك نهى عن إيذاء الطوائف والهويات المختلفة التي تعيش بينهم. ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتصرفون بحساسية شديدة في هذا الصدد ويتدخلون ضد أدنى أذًى يشهدونه؛ فيذكِّرون من يقوم بهذا الأذى بأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحولون دون وقوع هذا الظلم، كبيره وصغيره. على سبيل المثال، مرَّ سيدنا هشام بن حكيم رضي الله عنه ببعض المزارعين ينتظرون تحت أشعة الشمس وهو يتجول في دمشق، فسأل على الفور عن سبب هذا. فأُخبر بأنهم يجلسون تحت أشعة الشمس لأنهم لم يدفعوا الجزية. فقال لهم: إني سمعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يقول: “إنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النّاسَ في الدُّنْيا“. فأذعن لكلامه عمير بن سعد والي فلسطين آنذاك، وخلى سبيلهم 13.

حتى العدو لا يمكن تعذيبه!

بدأ أولئك الذين يكنون العداء للإسلام والمسلمين بعد الهجرة في الزحف بجيوشهم إلى المدينة المنورة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل الوحدات العسكرية على الفور إذا ما تلقى خبرًا عن وجود تهديدٍ في مكان ما محاولًا منع هذا الخطر قبل أن يتفاقم ليضمن بذلك سلامة واستقرار المدينة المنورة. وأثناء توديعه الجنود وتشييعهم، يسدي إليهم بعض النصائح والتنبيهات المهمة، ومن بين هذه النصائح “اتَّقُوا الظُّلْمَ14.  بالإضافة إلى أنه لم يكن يسمح حتى في الغزوات التي شارك فيها أيضًا بتعذيب الأسرى أو التمثيل بالقتلى من الأعداء. على سبيل المثال، وقع سهيل بن عمرو، الذي يستخدم لسانه كسلاح حاد من أجل القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسيرًا في بدر. فقال عمر رضي الله عنه: “يا رسول الله، دعني أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو، ويدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيبًا في موطن أبدًا”، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَا أُمَثِّلُ بِهِ فَيُمَثِّلُ اللَّهُ بِي وَإِنْ كُنْتُ نَبِيًّا، وإنَّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمُّهُ15، آمرًا إياهم بحسن معاملة الأسرى16.

تعذيب الحيوانات عنف ملعون!

لم ينه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعذيب البشر فحسب، بل نهى أيضًا عن تعذيب الحيوان 17.  وقال: “لَعَنَ اللهُ من يُمثِّلُ بالحيوانِ18. ففي رواية قدِم النَّبيُّ ﷺ المدينةَ وهم يجُبُّون أسنِمةَ الإبلِ ويقطعون ألياتِ الغنمِ فقال: “ما قُطِع من البهيمةِ وهي حيَّةٌ فهي مِيتةٌ19. وهذا يضع حدًّا لوحشية الجاهلية. وذات يوم مَرَّ عليه حِمارٌ قدْ وُسِمَ في وَجْهِهِ فَقالَ: “لَعَنَ اللَّهُ الذي وَسَمَهُ!” 20؛ يلعن هذه الوحشية ويحرم وسم وجوه الحيوانات 21. ويقول أيضًا: “لا تَتَّخِذُوا شيئًا فيه الرُّوحُ غَرَضًا22، حتى إنه لعن من يفعل ذلك 24.

كذلك ينهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب وجوه الحيوانات 25، وتقاتلها 26. ومر النبي صلى الله عليه وسلم برجل، وهو يجر شاةً بأذنها، فقال: “دَعْ أُذُنَهَا، وَخُذْ بِسَالِفَتِهَا27. منبهًا إياه إلى عدم إيذائها وإيلامها عند جرها. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ28. كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيذاء الدواب عند حلبها، وأوصى بشحذ الشفرة عند قص حوافرها29. أو ذبحها28.

كما نهى عن تعطيش الحيوانات وتجويعها. وهذا مثال على ما قد يسببه هذا الفعل الشنيع: “دخَلَتِ امرأةٌ النّارَ في هرَّةٍ ربَطَتْها فلَمْ تَسْقِها ولَمْ تُطعِمْها ولَمْ تُرسِلْها تأكُلُ مِن خَشاشِ الأرضِ حتّى ماتت في رباطِها30. ورأى ذات مرة أحدهم يحلب شاة، فأمره صلى الله عليه وسلم ألا يحلبه كله وأن يترك بعضه لولدها31. حتى إنه كان لا يرضى عن إهانة البهائم. ففي بعض أسفاره صلى الله عليه وسلم سمع أحدهم يلعن ناقته. فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُؤخذ ما على ظهر الدابة، وألا يركبها صاحبها جزاءً له32. ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم طائرًا يرفرف بجناحيه حزنًا وألمًا، فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد أُخذ ولدها، فقال: “مَن فَجَع هذه بوَلَدِها؟ رُدُّوا وَلَدَها إليها33.

خلاصة القول

الرحمة والعدالة هما من صميم الفلسفة الحياتية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن التعذيب والأذى سواء كان المخاطَب حرًّا أو عبدًا، مسلمًا أو غير مسلم، مذنبًا أو بريئًا، بشرًا أو أي مخلوق آخر. ولا مشاحة فهو الذي يمثل صرح العدالة والرحمة في جميع معاملاته وعلاقاته، فيقول: “الراحمون يرحمُهم الرحمنُ، ارحموا من في الأرضِ يرحمْكم من في السماءِ34. ليلفت الانتباه إلى أدق التفاصيل ويحذر المسلمين بأن ارتكاب مثل هذه القسوة هو ظلم بيِّن. كما أنه لا يقف مكتوف اليدين أمام أي أذًى أو عنف يراه. فكان يتدخل على الفور ويسلط الضوء على الموقف الذي يجب أن يتخذه المسلمون في هذا الصدد. فضلًا عن أنه يعتبر حتى إزالة ما يؤذي الناس والكائنات الحية في الطريق ضرورة من ضروريات الإيمان 35، وعبادة من العبادات، يقول صلى الله عليه وسلم: “إماطتُك الأذى عن الطريقِ صدقةٌ36. وعليه يجب أن يتخذ المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذجًا في مواجهة التعذيب والأذى الذي هو جريمة في حق الإنسانية؛ بألا يسمحوا بالتعذيب لأي سبب من الأسباب، وأن يبذلوا ما في وسعهم من أجل القضاء على ما يقع من ظلم وأذًى.

Footnotes

  1. انظر: سورة التين: 95/4.
  2. انظر: سورة الجاثية: 45/13.
  3. انظر: سورة البقرة: 2/30.
  4. انظر: سورة الإسراء: 17/70.
  5. صحيح مسلم، الجنائز، 78.
  6. انظر: سورة البقرة: 2/256.
  7. مسند الإمام أحمد، 37/88 (22402)؛ الهيثمي: مجمع الزوائد، 8/90.
  8. صحيح البخاري، الحج، 15؛ المغازي، 78؛ التوحيد، 24؛ الأضاحي، 5.
  9. صحيح مسلم، البر، 15؛ سنن الترمذي، صفة القيامة، 2.
  10. سنن الترمذي، الأدب، 59.
  11. الهيثمي: مجمع الزوائد، 2/182؛ الطبراني: المعجم الصغير، 1/284.
  12. سنن الترمذي، البر، 51؛ هناد بن السري: الزهد، 2/561؛ الحاكم: المستدرك على الصحيحين، 3/269؛ ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الصحابة، 3/1082.
  13. صحيح مسلم، البر، 33؛ سنن أبي داود، الخراج، 32.
  14. صحيح مسلم، الجهاد، 2؛ سنن أبي داود، الجهاد، 82.
  15. الواقدي: المغازي، 1/107، 108؛ الزيلعي: نصب الراية، 3/120؛ ابن كثير: البداية والنهاية، 3/311؛ الحاكم: المستدرك على الصحيحين، 3/318؛ ابن هشام: السيرة النبوية، 3/200؛ تاريخ الطبري، 3/42؛ ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، 3/213.
  16. ابن هشام: السيرة النبوية، 1/380؛ تاريخ الطبري، 3/40؛ السيرة الحلبية، 2/257.
  17. صحيح البخاري، المظالم، 30؛ سنن ابن ماجه، الذبائح، 10.
  18. صحيح البخاري، الذبائح، 25؛ صحيح مسلم، الصيد، 59؛ مسند الإمام أحمد، 7/235 (3133).
  19. سنن الترمذي، الصيد، 12.
  20. صحيح مسلم، اللباس والزينة، 107.
  21. سنن أبي داود، الجهاد، 52.
  22. سنن ابن ماجه، الذبائح، 10.
  23. ، ليكون ذلك نهيًا عن اتخاذ الحيوانات وما يدب فيه الروح هدفًا للرمي، ويؤكد على أن لحم هذه الحيوانات التي قتلت نتيجة التعذيب والأذى هو ميتة23 سنن الترمذي، الأطعمة، 24.
  24. صحيح البخاري، الصيد، 35.
  25. سنن الترمذي، الجهاد، 30.
  26. سنن ابن ماجه، الذبائح، 3.
  27. صحيح مسلم، الصيد، 57؛ سنن ابن ماجه، الذبائح، 3.
  28. الهيثمي: مجمع الزوائد، 8/196؛ ابن سعد: الطبقات الكبرى، 7/48.
  29. صحيح البخاري، الأنبياء، 54؛ صحيح مسلم، الصيد، 11.
  30. الهيثمي: مجمع الزوائد، 8/196.
  31. سنن أبي داود، الجهاد، 50.
  32. سنن أبي داود، الجهاد، 112.
  33. سنن أبي داود، الأدب، 58.
  34. صحيح مسلم، الإيمان، 58.
  35. صحيح البخاري، المظالم، 24.
قد يعجبك ايضا