مَظَاهِرُ التَّغَير المُنَاخِي فِي ضَوْءِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة
بقلم: محمود الأزهري
نرى ونشاهد كل يوم في وسائل الإعلام العالمية حالات الطقس والمناخ المتغيرة، بعض الدول قد جفت أنهارها، والبعض الآخر قد كثرت أمطارها، هنا حرائق في الغابات، وهناك سيول وفيضانات، وهذا كله يأخذنا إلى ما يعرف بظاهرة التغير المناخي، والتي هي حديث الناس والدول في هذه الآونة، حتى عقدت من أجلها المؤتمرات، وامتلأت بأخبارها النشرات.
لكن هل تنبأت السنة النبوية بهذه التغيرات المناخية؟ وهل قدم النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- الحلول لهذه الظاهرة، أو لبعض آثارها على الكرة الأرضية؟
قبل أن نجيب على هذه الأسئلة ينبغي أولا أن نتعرف سريعا على ظاهرة التغير المناخي، وما هي أسبابها، وما هي آثارها على البشرية، وما هي الحلول التي قدمها العلماء والباحثون المتخصصون لمثل هذه الظاهرة.
ظاهرة التغير المناخي:
التغير المناخي هو تحول في درجات الحرارة وأنماط الطقس لفترة طويلة من الزمن، أو هو اختلال في الظروف المناخية المعتادة التي تتميز بها كل منطقة على كوكب الأرض، وهذا التغير والاختلال يحدث بطريقة تراكمية عبر سنوات عديدة، فهناك فرق بين الطقس والمناخ، فالطقس هو عبارة عن حالة الجو لفترة قصيرة من الزمن، قد تمتد لساعات أو أيام، أما المناخ فهو عبارة عن حالة الجو لفترة طويلة من الزمن قد تصل إلى 30 عاما.
قد تكون أسباب هذه الظاهرة طبيعية كالإشعاع الشمسي، والتغير في مسار دوران الأرض حول الشمس، والبراكين، وغير ذلك. لكن تعد الأنشطة البشرية السبب الرئيسي لتغيّر المناخ وزيادة درجة حرارة الأرض، كحرق كميات متزايدة من الوقود الأحفوري، والعديد من الأنشطة الصناعية، بالإضافة إلى قطع الإنسان للأشجار والغابات، كل ذلك أدى إلى رفع مستويات غازات الدفيئة -مثل: غاز ثاني أكسيد الكربون، والميثان، في الغلاف الجوي بشكل كبير جداً، الأمر الذي أدى إلى الاحتباس الحراري، وارتفاع درجات الحرارة، ومن ثم التغير المناخي.
ينتج عن هذا التغير المناخي: “ارتفاعا في درجات الحرارة خصوصا على اليابسة، والمزيد من هطول الأمطار الموزعة بشكل غير متساو، والعديد من الحوادث الشديدة مثل الجفاف والفيضانات وموجات البرد أو الحر، والعواصف”، وكل ذلك يؤدي إلى الهجرة المناخية إلى مناطق الطقس المعتدلة، وزيادة مشكلات الفقر والجوع والأمراض حول العالم.1
وقدم الخبراء والباحثون المتخصصون عدة مقترحات للتعامل مع هذه الظاهرة، كان من أهمها ما يلي:
- العمل على التخفيض السريع لانبعاث غازات الاحتباس الحراري، وذلك من خلال الاعتماد على الطاقه المتجددة في إنتاج الطاقه، والتخلي بالتدريج عن الوقود الأحفوري (بترول، وفحم، وغاز طبيعي).
- منع قطع الأشجار والغابات، والعمل على إقامة محميات طبيعية لها.
- زيادة الرقعة الزراعية، والإكثار من زراعة الأشجار في كل الأحياء وحول المدن، لأنها تستهلك ثاني أوكسيد الكربون، أحد الغازات الرئيسية المسببة للاحتباس الحراري، مع التقليل من استخدام الأسمدة الكيماوية.
- الترشيد في استهلاك الموارد الطبيعيه وعلى رأسها المياه، وتوعية المواطنين وحثهم على ذلك. والحيلولة دون تبخر كمية كبيرة من المياة العذبة بتغطيطها بخلايا شمسية، أو بغير ذلك.
- المحافظة على البيئة من جميع أنواع التلوث، والذي قد يؤثر على تغير المناخ. إلى غير ذلك من الحلول المقترحة.
مظاهر التغير المناخي في السنة النبوية:
نعود بعد ذلك إلى الإجابة على السؤال: هل ذكر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في ثنايا أحاديثه النبوية شيئا متعلقا بظاهرة التغير المناخي أو بأثر من آثارها؟ نقول وبكل تأكيد نعم. فقد أخبر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عن عدة ظواهر وحوادث مرتبطة ارتباطا واضحا بتغير المناخ، بل هي من آثاره وتوابعه.
فمن هذه المظاهر: كثرة الأمطار وغزارتها، فتهطل الأمطار الغزيرة لفترات طويلة، نتيجة التغير الحاد في اتجاه الرياح، وذلك بسبب ارتفاع درجة الحرارة والتغير المناخي للكرة الأرضية، مما تسبب في حدوث سيول وفيضانات كبيرة في بعض البلدان.
ويشير الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك حيث يقول في الحديث: “لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطراً لا تكِنَّ منه بيوت المدر، ولا تكن منه إلا بيوت الشعر.2 أي أن ذلك المطر من شدته وكثرته ينزل من بيوت المدر، ولا تمنع بيوت المدر من نزوله لكثرته وغزارته.
ومن مظاهر التغير المناخي التي أشارت إليها السنة أيضا: الأمطار الحامضية المشتملة على كثير من المواد الحمضية كالكبريت والأزوت وغيرها، بسبب الملوثات البشرية وبعض الكوارث الطبيعية.
هذه الأمطار تؤثر بشكل مباشر على التربة والنباتات والأشجار، فهي تسمم التربة، وتعيق عملية التمثيل الضوئي للنباتات، ومن ثم تعيق نمو النبات والأشجار. والسنة المحمدية تخبرنا عن بعض الأنواع من الأمطار التي تهطل من السماء بكثرة وغزارة، لكن لا تقدم نفعا، ولا تنبت نباتا. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تُمْطِرُ السَّمَاءُ مَطَرًا وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ».3وفي ذلك إشارة لمثل هذه الأنواع من الأمطار.
ومنها: تحول الصحاري إلى مناطق خضراء، فيتغير ويتحول مناخ المناطق الحارة إلى مناخ المناطق الباردة، فتكون خضراء قابلة للزراعة، وبالعكس: مناطق باردة تصير وتتحول إلى صحاري بفعل الشموس وانحباس الأمطار، وغير ذلك من أسباب تغير المناخ. وقد أخبرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن تحول منطقتين صحراويتين إلى مناطق خضراء. المنطقة الأولى: منطقة تبوك، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ حين مر بتبوك: «يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا».4
وقد تحققت هذه النبوءة للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث إن مدينة تبوك في المملكة العربية السعودية الآن من أفضل الأماكن الزراعية، حتى أصبح لها سمعة كبيرة في جودة الفواكه، ووفرة المحاصيل الزراعية وتنوعها. والمنطقة الثانية: جزيرة العرب، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ، وَيَفِيضَ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ، وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا».5فهذا الحديث يشير إلى أن جزيرة العرب كانت في يوم من الأيام مروجاً وبساتين وأنهاراً، ثم صارت إلى ما هي عليه الآن من كون أغلبها صحاري جرداء، وسيمر الزمن وتعود كما كانت مروجا وبساتين خضراء. فأما كونها كانت مروجا خضراء فيصدقه كثير من علماء الجولوجيا والآثار، منهم: «الدكتور هال ماكلور في أطروحته للدكتوراه والتي كانت عن الربع الخالي في الجزيرة العربية، فذكر أن البحيراتِ كانت تغطي هذه المنطقة الصحراوية خلال العصور المطيرة التي انقضت قبل ثمانية عشرَ ألفَ سنة. ووافقه العالم الجيولوجي الألماني الشهير البروفيسور الفريد كرونر في مؤتمر علمي أقيم في جامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية، وأضاف بأن عود جزيرة العرب إلى تلك الحال مسألة معروفة عند العلماء، وأنها حقيقة من الحقائق العلمية».6
ومن هذه المظاهر: جفاف الأنهار والبحيرات نظرا للارتفاع الشديد في درجة الحرارة، وقلة نزول الأمطار، والاستعمال غير المسؤول للمياه. وقد أخبرتنا السنة النبوية عن بعض الأنهار التي ستنحسر وتجف في المستقبل، فمن هذه الأنهار: نهر الفرات، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ»7
كذلك من مظاهر التغير المناخي التي أشار إليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم: حدوث الزلازل، وهذه الزلازل تستمد قوتها من الصفائح التكتونية [هي عبارة عن تسع صفائح كبيرة واثنتي عشرة صغيرة، تمثل الطبقة الصخرية الصلبة التي تحيط بالكرة الأرضية] تحت أعماق سطح الأرض، ويمكن لهذه الصفائح أن تتأثر بما يحدث على سطح الأرض من ارتفاع درجات الحرارة، وكذلك هطول الأمطار الغزيرة.
والتغير المناخي الذي يؤدي إلى ذوبان الكتل الثلجية الضخمة، وارتفاع مستوى البحر يغير توزيع كميات المياه عبر باطن الأرض، ومن ثم هذه التغييرات تزيد احتمالات التصدع وحصول الزلازل. وقيل بالعكس بأن الزلازل قد تؤدي إلى تغير في المناخ، وأيا كان الأمر فهناك علاقة وطيدة بين الزلازل والتغير المناخي. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ظاهرة كثرة الزلازل في معرض كلامه عن الأمور التي ستحدث قبل قيام الساعة، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ».8 وهذا أمر مشاهد محسوس في عصرنا، حتى لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع بوقوع زلزال هنا وهناك.
ولا شك في أن إخبار النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بمثل هذه الظواهر يعد وجهاً من وجوه الإعجاز، ودليلاً من دلائل نبوته صلوات الله وسلامه عليه، لكن تبقى لنا أن نجيب على السؤال الثاني: هل قدم النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الحلول لهذه الظاهرة، أو لبعض آثارها على الكرة الأرضية؟ هذا ما سنتعرف عليه في مقالة قادمة بعنوان: “الإرشادات النبوية لمعالجة التغيرات المناخية” -إن شاء الله تعالى-.