شهود النبي صلى الله عليه وسلم حرب الفجار وحلف الفضول
أ- حرب الفجار
ولما بلغ صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، أخذ يتميز عن أقرانه ولِداته بكل أحواله وأطواره، وأصبح الجميع بمكة ينظرون إليه بنظر الاحترام، كما أن مواقفه وتفسيراته تجاه الأحداث كانت تلفت الأنظار وتثير الإعجاب، وجعلته قراراتُه الصائبة مرجعا يرجع إليه الناس في مهمات الأمور، وبرزت فيه صفة الأمانة مما جعل الناس يلقبونه بـ”الأمين”.
وفي تلك الفترة هاجت حرب الفِجار[1] بين قريش ومن معها من كنانة وبين قيس عَيلان. وكان قائد قريش وكنانةَ حربُ بن أمية والد أبي سفيان، وكان لواء بني هاشم في يد الزبير بن عبد المطلب.
وكان الظفر في أول النهار لقيس على قريش وكنانة ومن معهم، ثم صار الظفر آخر النهار لقريش وكنانة على قيس.[2] وشهد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعض أيامهم، أخرجه أعمامه معهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كُنْتُ أنَبِّلُ على أعمامي”،[3] أي أجمع السهام التي ترمى بها هوازن وأناولها لأعمامي.[4] وكانت الفجارات في العرب أربعة، وآخرهن هذا.[5]
وأخيرا أدرك الطرفان عدم جدوى الاستمرار في تلك الحروب الفارغة، فبادر عتبة بن ربيعة، ودعا الأطراف إلى الصلح، وبالفعل لقيت دعوته آذانا صاغية، فتصالحوا على أن يَعُدُّوا القتلى ويدفعَ قريش ومن معها دية القتلى ويرهنوا رهائن عليها ويعفوا عن دياتهم. فوقع الصلح، فسادَ الأمنُ والسلامُ مرة أخرى في ربوع مكة المكرمة.
ب- حلف الفضول
كان حلف الفضول أكرمً حلفٍ سُمع به وأشرفَه في العرب، وكان أولُ من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب.
وسببه: أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل فحَبس عنه حقه، فاستعدى عليه الزبيدي أشرافَ قريش، فأبوا أن يعينوا على العاص بن وائل وانتهروه، فلما رأى الرجل أن حقه ضائع أوفى على أبي قبيس، وقريش في أنديتهم حول الكعبة، واستغاث أهل مكة في أبيات قالها يثير فيهم الحمية بذكر الظلم الواقع عليه، وأنه واقع ببطن أرض الله، وبجوار البيت المقدس الذى لا تُخطف فيه الأموال ولا تضيع الحقوق، وأن الظلم بين الحِجر وبين الحَجر الأسود الذى يقدسونه، ويشير إلى أنه محرم للعمرة، فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب وقال: ما لهذا مترك، أي لا يصح أن يُترك، وهاجت الغيرة في رجال من ذوي المروءة والفتوة، فاجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان، وكان جوادا، فصنع لهم طعاما، وتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونُن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم، حتى يؤدَّي إليه حقه، فسمَّت قريش ذلك الحلف: “حلف الفضول”، وقد نُفِّذ ذلك الحلف فور انعقاده،، فقد مشوا إلى العاص بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي، فدفعوها إليه.
وكان حلف الفضول منصرَفَ قريش من الفجار، ولقد سر النبي عليه الصلاة
والسلام لشهوده ذلك الحلف، فقد قال: “لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ،
وَلَو دعي بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ”.[6]
[1] والفِجار بمعنى: المفاجرة كالقتال والمقاتلة وذلك أنه كان قتالا في الشهر الحرام ففجروا فيه جميعا، فسمي الفجار. (السهيلي، الروض الأنف، ٣/١٤٦).
[2] ابن هشام، السيرة ١/١٧٠.
[3] ابن هشام، السيرة ١/١٧٠.
[4] وإنما لم يقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أعمامه وكان ينبّل عليهم وقد كان بلغ سن القتال، لأنها كانت حرب فجار، وكانوا أيضا كلهم كفارا، ولم يأذن الله تعالى لمؤمن أن يقاتل إلا لتكون كلمة الله هي العليا. السهيلي، الروض الأنف ٣/١٤٧.
[5] ابن كثير، البداية والنهاية ٣/ ٣٥٥.
[6] أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، السيرة النبوية (من البداية والنهاية لابن كثير)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت – لبنان، 1395 هـ – 1976 ١/٢٦١؛ أبو زهرة محمد خاتم النبيين ١/١٣٦؛ الندوي، السيرة النبوية ١٧٤.