الأسس النبوية في التربية والتعليم (9): إكساب المخاطب الشعور بالمسؤولية!

بقلم الدكتور/ سليم عبد الله

يتحمل الإنسان بصفته مخلوقًا اجتماعيًّا مجموعة من المسؤوليات تجاه نفسه وبيئته وخالقه القدير الذي وهبه الحياة. وإن قدرته على الوفاء بهذه المسؤوليات مرهونة باكتسابه “شعور المسؤولية”. ولا يمكن تطوير هذا الشعور الذي يغرس في ماهية الإنسان، إلا من خلال التربية والتعليم والتجربة. فالمسؤولية تعني أن يؤدي الشخص واجباته تجاه الأسرة أو المجتمع الذي يعيش فيه، ويحترم جميع حقوق الآخرين، ويتصرف بتوازن مع ما حوله في بيئته، ويتحمل عواقب فعله خيرًا كان أو شرًّا. وبناء عليه فالإنسان الذي لديه شعور بالمسؤولية، تكون لديه أحكام تقديرية، ويمرر تصرفاته من مصفاة العقل والمنطق والاعتقاد، ويعرف حدود حريته ويراعي جيدًا حقوق الآخرين. فهذا الشعور مهم جدًّا للإنسان حتى يتطور ذهنيًّا وجسديًّا وفكريًّا، وكذلك عاطفيًّا واجتماعيًّا. ومن هذه الزاوية فإنه من أكثر السمات الشخصية أهمية لكي يحرز الإنسان النجاح والاستقرار في حياته الدنيوية والنجاة في الدار الآخرة. ويشتمل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في كثير من المواضع على تنبيهات وتوصيات عدَّة من أجل إكساب الأطفال والنشء هذا الشعور وتطويره لديهم:

الإنسان مسؤول عما يفعل!

ينبغي تعليم الإنسان منذ نعومة أظفاره مبدأ تحمل مسؤولية جميع أفعاله. لذلك حينما أراد سيدنا لقمان أن يغرس في ابنه شعور المسؤولية، قال له كما أخبر الله تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ (سورة لُقْمَانَ: 31/16). أي: يا بني انتبه فكل أعمالك أيضًا يعلمها الله وستحاسب عليها. وهذه القضية التي غالبًا ما يركز عليها القرآن الكريم، هي في الحقيقة من موضوعاته الرئيسية لارتباطها مباشرة بالإيمان بالآخرة. ويقول تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ (سورة القِيامَةِ: 75/36) ملفتًا النظر إلى أنه لا يمكن للإنسان أبدًا أن ينفكَّ عن هذا الشعور، ثم يبين صراحة أن الإنسان مسؤول عما يفعل من الخير والشر حتى ولو كان مثقال ذرَّة1، ويؤكد بشكل خاص على أنه ينبغي للإنسان ألا يثق في ماله وقوته، وألا يظن أنه لن يره ولن يقدر عليه ولن يحاسبه أحد، فيقول سبحانه: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَدًا * أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ (سورة البَلَدِ: 90/5-7).

كلٌ مسؤول عن نفسه!

ومن الجوانب التي ينبغي الوقوف عليها بينما يُغرس هذا الشعور في الآخرين، هو أن “المسؤولية مسألة شخصية”. فبحسب البيان القرآني أن الناس كل واحد منهم مسؤول عما يفعل ويصنع، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى…﴾ (سورة فَاطِرٍ: 35/18)، ويقول تعالى: ﴿قُلْ لاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (سورة سَبَأٍ: 34/25)، ويقول تعالى: ﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (سورة يُونُسَ: 10/41). فسيحاسب كل امرئ عن تبعات أقواله وعهوده وأفعاله وتصرفاته: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ (سورة الإِسْرَاءِ: 17/36). لذا يجب تعليم هذه الأسس الرئيسة للمسؤولية للأطفال والنشء مع مراعاة أعمارهم؛ وينبغي أن يُحرص على غرس فكرة المسؤولية جيدًا في العقل الباطن لديهم.

إكساب شعور المسؤولية

تتطلب عملية التعليم والتدريب على المسؤولية جهدًا حقيقيًّا ووقت وصبر. فإن إكساب المخاطبين هذا الشعور، وجعله عمقًا في طبيعتهم، ليس بالأمر الذي يمكن تحقيقه على وجه السرعة بالتوعية لبضع مرات، ولا التلقين. بل يجب وضع خطة طريق، مع ضرورة اتباعها بدقة كبيرة.

كن محبًّا ورحيمًا واحترم الآخر!

يكمن في أساس المسؤولية الحب والرحمة والاحترام. فالأفراد الذين يحظون بالحب والرحمة والاحترام الكافي في محيط الأسرة، تتكون بداخلهم مشاعر الثقة والمسؤولية وتتطور في الوقت نفسه. فيغرس الله تعالى في قلب الآباء مشاعر الحب والرحمة ولمَّا يُولد الطفل بعد. فما إن يُولد الطفل تجد الوالدين يحنوان عليه، ويقومان على رعايته بكل حرص واهتمام. فيسهران الليالي ويبذلان كل التضحيات في سبيل رعاية طفلهما. وهكذا يحصل الطفل على أول دروس المسؤولية من الاهتمام المليء بالحب والرحمة للأب والأم اللذين يتحركان بشعور كبير بالمسؤولية. وبهذا الشكل أيضًا يبدأ شعور المسؤولية في التشكل والتطور في الطفل الذي يلقى هذه الرعاية والاهتمام. لذا فإن المناخ الأسري الصحي مهم جدًّا في هذا الشأن. ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “ليسَ منّا مَن لَم يرحمْ صغيرَنا2.

التكليف بالمسؤولية على قدر القوة والكفاءة

يجب أن يُوكل إلى الطفل بطبيعة الحال بعض المهام كلما تقدم في العمر؛ فيُكلَّف ببعض المسؤوليات التي تناسب عمره وقوته. لأن تطور الشعور أو المهارات مرهون بتفعيلها وممارستها. على النقيض من ذلك فإن المشاعر التي لا تُستثمر ولا يتم تفعيلها، محكوم عليها بالتلاشي بمرور الوقت. ولكن تحميل الأطفال والنشء أعباء ومسؤوليات لا يقدرون على حملها لن يفيدهم بشيء، كما أنه سيكون سببًا في أن تتشكل لديهم عادة الهرب من المسؤوليات. وفي هذا الصدد يقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا…﴾ (سورة البَقَرَةِ: 2/286)، مبينًا أنه ليس من الصواب تحميل الإنسان ما يفوق طاقته وقدرته.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يمنح الأطفال والنشء الذين يقوم بتنشئتهم وتربيتهم مهامًا تناسب قدراتهم ومواهبهم، وهو بذلك يمنحهم شعور المسؤولية، وفي الوقت نفسه يُنشئ الكادر الذي يلبي الاحتياجات في مختلف المجالات في المستقبل. على سبيل المثال كان سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه غلامًا نابغًا ذكيًّا ابن أحد عشر سنة عندما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، فطلب إليه صلى الله عليه وسلم أن يتعلم العبرانية والسريانية حتى يكون ترجمانًا له في لقاءاته ومراسلاته مع اليهود، فتعلم رضي الله عنه كلتا اللغتين في فترة قصيرة وأجادهما كتابة ومحادثة. فضلًا عن أنه صلى الله عليه وسلم قد أوكل إليه مهمة كتابة الوحي، وبذلك هيَّأ له المناخ ليتربى في ساحة علوم القرآن. ولكنه من ناحية العمر، فإنه أُعيد من غزوة أحُد لأنه لن يطيق مسؤوليات الجبهة لحداثة سنه، وكلف حينها برعاية القاعدين في الخلف.

لا يُكتسب شعور المسؤولية بالضغط والإكراه

ينبغي احترام إرادة واختيارات الأطفال والنشء وعدم الضغط عليهم حتى يتشكل لديهم شعور المسؤولية ويتطور بشكل سليم. فبدلًا من الضغط عليهم، ينبغي الاعتراف بحقهم في الاختيار، وذلك بوضع بدائل وخيارات مختلفة أمامهم تتناسب مع أعمارهم وقدراتهم. ولذلك نجده صلى الله عليه وسلم لم يكره مخاطبيه قط ولم يضغط ولو بقدر يسير على إرادتهم الحرة في أثناء تبليغه رسالة ربه3. حتى عند دعوته سيدنا عليّ رضي الله عنه للإسلام وكان ابن عشر سنين وفي كفالته صلى الله عليه وسلم، فقد احترم صلى الله عليه وسلم إرادته، ولم يُكرهه على شيء قط. بل بلَّغه الحق والحقيقة، وطلب منه ألا يفشي الأمر بسبب ظروف مكَّة وقتئذ، وأوصاه أن يستشير والده إن أراد. فلما أصبح سيدنا عليّ رضي الله عنه أسلم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلما علم أبوه بأمره سأله: “أي بني، ما هذا الدين الذي أنت عليه؟”. فقال له سيدنا عليّ: “يا أبت، آمنت بالله وبرسول الله، وصدقته بما جاء به، وصليت معه لله واتبعته”. فكان رد أبي طالب عليه له مغزى في حرية الدين والعقيدة، حيث قال: “أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه” 4.

تحلّ بالصبر، ولا تغضب!

من الأمور المهمة التي يجب على الآباء والمعلمين والمرشدين والمربين أن يراعوها من أجل إكساب أبنائهم شعور المسؤولية وتطويره هو أن يتحلوا بالصبر ويبتعدوا عن الغضب. فبينما يؤدي الأطفال والنشء المهام المكلفين بها، قد يخطئون في بعض الأحيان، وأن يتسببوا في كسر شيء أو سكبه. وفي مثل هذه المواقف سيكون من المفيد الحديث مع الفرد الذي يُرغب في تطوير شعور المسؤولية لديه باللين والحُسنى بدلًا من الغضب والترهيب، وتحفيزه على النجاح والتفوق، وإرشاده إلى طريق الصواب. وفي هذا السياق نجد سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه الذي مكث عند النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين من سن العاشرة إلى العشرين ليتعلم منه من ناحية ويخدمه من ناحية أخرى، يلخص مبادئ التربية والتعليم التي اتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربيته وتنشئته على النحو الآتي: “خَدَمتُ رسولَ اللهِ ﷺ، عَشْرَ سِنينَ، لا واللهِ ما سبَّني سَبَّةً قَطُّ، ولا قال لي: أُفٍّ قَطُّ، ولا قال لشيءٍ فعَلْتُه: لِمَ فَعَلتَه، ولا لشيءٍ لم أفعَلْه: ألا فَعَلتَه..”5. لهذا ينبغي ألا يُستخدم الغضب أبدًا مكان اللسان العذب والأسلوب التعليمي البنَّاء. وإلا فإن الانفعال والغضب سيكونان سببًا في فقدان كل المكتسبات التي تم الحصول عليها إلى تلك اللحظة.

لا تقم بعمله بدلًا منه!

ينبغي أن يقوم الأطفال والنشء الذين يُرغب في إكسابهم شعور المسؤولية بالمهام المكلفين بها كليَّة. فعلى الرغم من أن القيام بأشياء من أجل إرشاد وتحفيز الأشخاص الذين يقصرون في أداء مهامهم أو لا يفعلونها مهم في هذا الصدد، فإن تحمل المسؤوليات التي لم يؤدونها كاملة بدلًا منهم، سوف يكون له تأثير سلبي على تشكل هذا الشعور وتطوره لديهم. فإن عدم تنبيههم بمسؤولياتهم في كل مرة، وإنهاء وتكملة ما يقصرون في أدائه من مهام سوف يؤدي بهم إلى الكسل والتراخي بل واللامبالاة من منطلق “إن مهامي تُنجز على أي حال!”.

وفي هذا الصدد يضع النبي صلى الله عليه وسلم معيارَ “أن يقوم كل امرئ بما عليه” من أجل ترسيخ هذا المبدأ. ذات مرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة الذي أراد أن يحمل عن رسول الله متاعه في السوق، فقال له صلى لله عليه وسلم: “صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله، إلا أن يكون ضعيفًا يعجز عنه فيعينه أخوه المسلم6، ورفض أن يعطيه ما بيده أو يحمله عنه. وكان صلى الله عليه وسلم يقوم على خدمة بيته وأهله بقدر المستطاع؛ فكان يخيط ثوبه وينظفها، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويساعد أهل بيته7. وكان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم الذين تلقوا هذه التربية من رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك؛ فكان إذا سقط سوط أحدهم من على بعيره نزل وأخذه بنفسه دون أن يسأل أحدًا أن يناوله إياه8.

كن قدوة!

يترقب الأطفال والنشء تصرفات آبائهم ومربيهم ومعلميهم ومرشديهم، ويتخذونها نموذجًا يحتذون به. لهذا فإنه من المهم أن يكون المرء قدوة حسنة في موضوع المسؤولية قبل أن يشرح لمخاطبيه شيئًا نظريًّا عن هذا الشعور. لأن المخاطبين ينظرون إلى التصرفات والأفعال أكثر من الأقوال، ويتأثرون بها بشكل أكبر. ومن هذا المنطلق فقد أرسل الأنبياء جميعهم أسوة حسنة لأقوامهم، وبُعث نبينا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة للناس كافة9. وقد جعلوا التمثيل والعمل مقدمًا على التبليغ حتى في دعوتهم رسالة ربهم. فلم يقل أي نبي شيئًا لم يفعله أو لم يمارسه ويعيشه بنفسه أمام مجتمعه. فينبه القرآن الكريم على ذلك بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ (سورة الصَّفِّ: 61/2-3)، مؤكدًا على أن هذا الفعل ليس له فائدة بين الناس، كما أنه يكون سببًا لعذاب كبير عند الله تعالى.

التقدير والثناء عند أداء المسؤولية

من الجوانب التي لا ينبغي إهمالها عند إكساب الأطفال والنشء شعور المسؤولية هو تقديرهم والثناء عليهم عندما يؤدون المسؤوليات المنوطة بهم في مسألة ما. وهذا الأمر يكون وسيلة لتشجيعهم، ويكون أيضًا سببًا في تحفيزهم على أداء مسؤولياتهم دائمًا بشكل لائق. لأن الثناء والتقدير الذي يقدمه المخاطب من قبيل “أحسنت صنعًا، أشكرك كثيرًا على هذا!” يدعمه معنويًّا، ويكون له إسهامًا مهمًّا في تطوير شعور الثقة والمسؤولية لديه. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مرشدًا “مقدِّرًا ومحفزًا” لمن حوله على الدوام. فبينما يؤدي مهمة تبليغ رسالة ربه بشعور بالمسؤولية من ناحية، يحرص من ناحية أخرى على غرس شعور المسؤولية في أصحابه الذين يعمل على تنشئتهم. ومن منطلق شعور المسؤولية الذي اكتسبه الصحابة الكرام من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يلقون التقدير والثناء الدائم منه صلى الله عليه وسلم بينما يؤدون المهام الموكلة إليهم على الوجه الأكمل.

وبهذا نراه صلى الله عليه وسلم يقدِّر ويثني بأشكال مختلفة على أصحابه الذين يؤدون المهام المنوطة بهم على الوجه الأكمل. على سبيل المثال نجده صلى الله عليه وسلم يكني أصحابه بألقاب حسنة أمثال سيدنا حمزة بـ”أسد الله”، وسيدنا خالد بـ”سيف الله”، وسيدنا الزبير بن العوام بـ”حواريِّ”، وسيدنا أبي عبيدة بن الجراح بـ”أمين الأمة”، فيقدِّر قدراتهم المختلفة وفي الوقت نفسه يسلط الضوء على أصحابه الذين يتحركون بشعور المسؤولية ليكونوا نموذجًا يحتذى به إلى يوم القيامة. وعلى سبيل المثال أيضًا نجد السيدة عائشة رضي الله عنها تمتدح نساء الأنصار اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، فتقول: “نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ10. ممتدحة بذلك حرصهن على العلم وشعورهن بالمسؤولية ليكنَّ قدوة لمعشر النساء. وكان هذا التقدير والثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم سببًا في صقل شعور المسؤولية لديهم، وفي عيشهم بانتباه وعناية أكبر.

النتيجة

ينبغي على المعلمين والمربين أن يكسبوا مخاطبيهم شعور المسؤولية لأنه ذو قيمة مهمة لا غنى عنها في تكوين الشخصية ووصولها إلى الكمال. ومن ثم فهو من أبرز سمات الإنسان الحقيقي. فمن يتمتع بشعور المسؤولية يتعامل بتوازن واعتدال مع ربه ومع نفسه ومع البيئة المحيطة به أيضًا؛ فلا يقع في الظلم، ويتسم بالاحترام والاتزان مع نفسه ومع من حوله، ويؤدي الوظيفة والمسؤوليات المنوطة به كاملة دون قصور، ولا يكون عبئًا على الآخرين.

Footnotes

  1. انظر: سورة الزلزلة، 99/7؛ سورة النحل، 16/93.
  2. «سنن الترمذي» (4/ 321 ت شاكر).
  3. انظر: سورة الكهف، 50/45.
  4. انظر: ابن الأثير، أسد الغابة، ص 871، 872 (3790).
  5. صحيح البخاري، الأدب، 39 (6038)؛ سنن أبي داود، الأدب، 1 (4774)؛ صحيح مسلم، الفضائل، 13/51، 52،53 (2309).
  6. القاضي عياض، الشفاء، 1/117.
  7. انظر: صحيح البخاري، الأذان، 44 (676)؛ صحيح ابن حبان، (5677).
  8. انظر: صحيح مسلم، الزكاة، 36/108 (1043).
  9. انظر: سورة الأحزاب، 33/21.
  10. صحيح مسلم، الحيض، 65؛ مسند أحمد، 6/148.
قد يعجبك ايضا